نافذة على أوراسيا: شعار “روسيا للرّوس” يلقي ظلالا من الشّك على وجود أمّة روسيّة، كما يقول معلّق في موسكو
بول غوبل (Paul Goble)
ترجمة: عادل بشقوي
ستونتون، في 16 أغسطس /آب – معلق في موسكو يقول ان الشّعار المتنامي، هتاف “روسيا للرّوس” يدل على ان العديد من الذين يسمّون أنفسهم بالرّوس يعرفون القليل أو لا يعرفون شيئاً عن تاريخ دولتهم أو شعبهم ويثير ذلك تساؤلات حول ما إذا كان من المناسب الحديث عن وجود الأمّة الرّوسيّة بحد ذاته.
في مقال من جزئين نشرا على موقع سلون (Slon.ru) هذا الأسبوع، يقول نيكولاي أوسكوف (Nikolay Uskov) الذي كان قد تدرب كباحث في شؤون القرون الوسطى ولكنه يعمل الآن محرّراً ومعلّقاً، بأنّه سواء ما إذا كانوا يعرفون ذلك أم لا، فإن الرّوس الّذين يستخدمون هذا الشعار يسعون للعودة بتاريخهم لما قبل فترة إيفان الرّهيب (snob.ru/selected/entry/63417 و snob.ru/selected/entry/63613).
بالتّأكيد، إذا كان بعض من أولئك الذين يدفعون برفع ذلك الشّعار يعرفون أكثر – مثل حقيقة أن المسؤول القيصري سيرغي أوفاروف (Sergey Uvarov) الذي أتى بفكرة “الأرثوذكسيّة، والحكم المطلق، والقوميّة” كان لوطياً – وأنهم قد يكونوا في مأزق بشكل خاص، نظراً إلى أن العديد من القوميين اليوم هم أيضا من أنصار قانون موسكو المعادي لمثلي الجنس.
ويقول أوسكوف بأنّه بحلول نهاية القرن السادس عشر، “موسكوفيا (Muscovia) انتهى بها الأمر في نهاية المطاف لأن تكون دولة تستند في المقام الأول إلى القوميّة الرّوسيّة العظيمة”. لكن حتى قبل ذلك، كما يقول، كان الروس بالكاد يُعتبرون أمة في أي معنى حديث. “لم يكن الشعب الروسي يستند إلى العِرْق ولا إلى العقيدة.” بدلا من ذلك، كان “مجتمعاً سياسياً بحيث لا ينبغي أن يدعى سلافياً بحتاً.”
سجلات روسيا تشير إلى قبيلتين سلافيّتين شرقيّتين، سلوفين (Slovens) وكريفيشي (Krivicheys) واثنتان من أصول فنلندية-أوغرية (Finno-Ugric)، وهما شود (Chud) وفيس (Ves)، وُجدوا على الأراضي التي أصبحت مسكوفي (Muscovy). في سنة 862 ميلاديّة، انضمّتْ إليهم “قوّة ثالثة”، وهم الاسكندنافيّون (Scandinavians) والّتي تدعوها السّجلّات “روس” (Rus)، وكان من ذلك العنصر الأجنبي ان البلاد وفي نهاية المطاف أخذت شهرتها كأمّة.
بعد سقوط كييف-روس (Kievan Rus) بأيد المغول، فر سكّان تلك الدولة في اتجاهين، يقول أوسكوف، اتجه البعض نحو الغرب الذين هم كجيران لليثوانيا (Lithuania) وبولندا (Poland) شكلوا فيما بعد الأوكرانيين والبيلاروسيين (سكان روسيا البيضاء) المستقبليّين وآخرين نحو الشمال-الشرقي على طول ضفاف نهري أوكا (Oka) وأعالي الفولغا. هؤلاء انصهروا مع ذوي الأصول الفنلندية-الأوغرية كما تظهر أسماء المواقع الجغرافيّة ليصبحوا روس (Rus).
ويتابع، في القرنين الرّابع عشر والخامس عشر، “اقتربت {روس} من واحدة من النقاط الرئيسية للّاعودة في تاريخها “لأنّه تقرّر في ذلك الوقت” من هو الذي سيصبح سيد أوراسيا، هل هي موسكو (Moscow) أو كراكو (Cracow) والذي سيسيطر على مساحة هائلة تمتد بين أوروبّا وآسيا.
عن طريق امتصاص تفكّك أراضي القبيلة الذهبية والتتار في المقام الأول، تبيّن بأن تكون موسكو “أكثر نجاحاً من ليثوانيا”، وهو النجاح الذي لم يضرب بجذوره في أي جنسية روسية عظيمة أو عقيدة أرثوذكسيّة ولكن في قوّة وممتلكات الحكام.
مثلما أن مسكوفي توسّعتْ، انخفض نصيب الروس من مجمل عدد السكان. فقط حوالي ثلث السكان تحت سيطرة المركز يتكلمون الّلغة الرّوسيّة، وفي التاسع عشر، كان القيصر الذي أعتُبِرَ “الأكثر روسيّةً، وهو، ألكسندر الثالث (Aleksandr III)، كان ثُمْنَهُ (1/8) تقريباً من أصول روسيّة”.
والمصطلحات الّتي استخدمتها الدولة الروسية تظهر ذلك. في السجلّات، عنتْ كلمة “روس” تقريبا ما تعنيه “كل الرّوس” الآن. والكلمة الروسية للدولة (“gosudarstvo”) مشتقة من الكلمة الّتي تعني حاكم (“gosudar”) والكلمة للسلطات أو الصلاحيات (“vlast”) مستمدة من الكلمة الّتي تعني المُلْكِيّة (“volost”).
في عام 1833، نيكولا الأول اختار سيرغي أوفاروف ليكون وزيره للتوعية والدّعاية، وجاء الأخير بالثلاثية الشهيرة التي يود القوميين أن يستشهدوا بها، يقول أوسكوف. ولكن هذه “أخبار سيئة للسيد ميلونوف (Milonov) والآنسة ميزولينا (Mizulina)” لأن أوفاروف كان على علاقة لواط مع الأمير دوندكوف-كورساكوف (Dondukov-Korsakov).
نيقولا الأول، بطبيعة الحال، كان أقل إعجابا بالثلاثية وبأوفاروف من رجاله الّذين هم من الصف الثاني. استعاض عن أوفاروف بشيرنسكي-شيخماتوف (Shirinsky-Shikhmatov) لأنه شعر بأن أوفاروف كان متحرّراً جدا، وكان دائما قلقاً حول القومية لأنها قد “تجر روسيا إلى الحرب مع حليفتها الرئيسية، الإمبراطوريّة النمساويّة-المجريّة (Austro-Hungary)”.
وبالنظر إلى كل ذلك، يشير أوسكوف، يجب على المرء أن يتساءل: “هل توجد هناك أمة روسيّة؟” إن ثورة 1917 أزالت إسمها من على الخريطة و”بدلا من أن تكون هناك روسيا كان هناك اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (USSR)، بلد من دون أمم ولكن مع حق الأمم في تقرير المصير” وفي نهاية المطاف ضحية لسياساتها الخاصة.
“بلداً حديثاً، روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي تود كثيرا أن ترى نفسها كأمّة”، لكن السؤال الذي يطرح نفسه على الفور: هل جماعات مثل الداغستانيّين والشّيشان والتتار جزء منه أم لا. وعدم وجود اتفاق على ذلك، جنبا إلى جنب مع تزايد التّوتّرات العرقيّة وفقدان مساحة معلومة أحاديّة يجعل من غير المحتمل أن ينجح المشروع القومي الروسي.
يجادل أوسكوف بأنّه يجب على المرء أن يتذكر أن “الكلمة اللاتينية أمّة تعني حرفياً ‘هو الذي يولد’.” اعتبر الرّومان أن أي جماعة على أساس الدّم تكون “مجتمع بترتيبٍ متدنٍ ويتّصفُ بالهمجية”. لم يدعوا أنفسهم “الأمّة الرّومانيّة” بل “مواطني روما”.
عارض الرومان المجتمعات على أساس البنية الطّبيعيّة كأمم منها اعتماد ثقافة كثقافتهم، يكمل أوستوف، وأنهم كانوا دائماً مهتمّين في التّشديد على “الفرق بين الثقافة والطبيعة، وبين الحضارة والهمجية”. الروس يمكن أن يتلقّوا درسا من هذا بدلاً من أولئك الذين يريدون العودة إلى الدم كأساس لمجتمعهم.
لقرون، قامت روسيا كاتحاد سياسي بحيث لم يكن للدم أو للعقيدة أهمّية حاسمة فيه، لكن على أقل تقدير أعطى أولويّة لحركة مشتركة لمئات الشعوب نحو هدف مشترك”، كما يقول المعلق وسيكون مأساويا إن لم يكن كارثياً إذا ذهب هؤلاء الّذين يطلقون على أنفسهم الأمة الروسية الآن باتّجاه بديل.
نقلاً عن: موقع الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة على الفيسبوك