نافذة على أوراسيا: الامبراطوريات لا تصبح فيدراليات، بل فقط تنهار، كما يقول إقليمي روسي
بول غوبل (Paul Goble)
ترجمة: عادل بشقوي
ستونتون، 19 أغسطس/آب – متحدثاً إلى مؤتمر عقد في موسكو بعنوان “أي نوع من الفيدراليّة نحتاج؟” يقول أحد رواد روسيا الإقليميّين بأن الجواب هو “لا شيء على الإطلاق”، لأن “إلإمبراطوريات [مثل الإمبراطورية القيصرية والاتحاد السوفياتي في الماضي والفيدراليّة الرّوسيّة الآن] لا تتحول إلى فيدراليّات، بل يمكن أن تنهار”.
أدلى دانييل كوتسيوبينسكي (Daniil Kotsyubinsky)، وهو كبير مدربين في جامعة سانت بطرسبورغ، ويعلق بشكل متكرّر على موضوع الفيدرالية، ساق هذه الحجة في اجتماع عقد في 7 يونيو/حزيران ونظّم من قبل البعثة الليبرالية (Liberal Mission) وترأسه إيغور كليامكين (Igor Klyamkin). بينما تم نشر محضر الدورة على الانترنت في نهاية الأسبوع الماضي فقط (liberal.ru/articles/cat/6198).
عندما تنتشر الحرية السياسية عبر الإمبراطورية، فإنها تتفكّك؛ وهي لا تحوّل نفسها. عندما ظهرت البيريسترويكا في الاتحاد السوفياتي، فإن بعض الأجزاء التي كانت تحت سيطرة موسكو مارست حقها ونجت بنفسها. الآخرين، يقول كوتسيوبينسكي وأجزاء أخرى لم تفعل ذلك سوف تفعل الآن في أول فرصة في المستقبل.
رغم ما يعتقده الكثيرون، فإن “الفيدرالية ليست هي الوسيلة الأكثر فعالية للتفكك الناعم والخالي من الصراع”. هناك طريقة أفضل بكثير وهي تشكيل اتحاد كونفيدرالي على أساس تنظيم يبدأ من “الأعلى إلى الأسفل” و “وفقاً لمبادئ الجمهورية البرلمانية”، حسبما يقول الباحث من سان بطرسبورغ.
متحدثاً عن تلك المدينة، يؤكد أن “بطرسبورغ ليست روسيا”، تماما كما هي مورمانسك (Murmansk)، وأرخانجيلسك (Arkhangelsk)، ونوفغورود (Novgorod)، والأورال (Urals)، وسيبيريا (Siberia) والشرق الأقصى (Far East) وكوبان (Kuban) ليست بِروسيّة هي الأخرى. “ربما تكون روسيا بالمعنى الضيق هي موسكوفيا (Muscovia) – وهي موسكو بالإضافة إلى تلك المناطق التي تعرف نفسها تاريخيا مع روسيا.” لكن ليس هناك الكثير منها.
ووفقا لكوتسيوبينسكي، فإن حجم موسكوفيا مساوٍ تقريبا للمنطقة الّتي كان فيها الناس خلال السبعينيات من القرن الماضي يستقلون القطارات الكهربائية إلى عاصمة الإتّحاد السّوفياتي من أجل شراء النقانق. و”يمكن لهؤلاء النّاس أن يعتبروا أنفسهم بالتأكيد من الروس الأصليّين.” لكن جميع المناطق الأخرى هي تلك الّتي سيطرت عليها موسكو بالقوّة وستسقط في نهاية المطاف بعيدا عنها.
جميع تلك الأماكن الأخرى، يكمل، لا تزال “ببساطة بانتظار الوقت عندما يلقوا في نهاية المطاف جانبا الهيكل الإمبريالي الخارجي الذي جعلهم حبيسين له على مدى قرون، وليصبحوا مرة أخرى بلداناً مزدهرة ومستقلة ومكتفية ذاتياً على الصّعيد الإقليمي”.
هذا الواقع، يقول كوتسيوبينسكي، ينعكس بالطريقة التي “يتحدّث عنها بعضاً من الإقليميّين في موسكو”. يتحدّثون عن موسكو و “المحافظات”، وهي مصطلحات تدل على ان “موسكوفيا للأسف لا يمكن أن تكون أي شيء إلا نظام رأسي متكامل.” إن بطرسبورغ “ليست روسيا” لأنها “ليست مدينة بناها بطرس الأول. هذه هي منطقة كانت قائمة ومتقدمة لقرون عديدة قبل وصول حكام الموسكوفايت إليها والّذين بعد ذلك شرعوا في تسمية أنفسهم بإمبراطوريات بطرسبورغ، وهي ستبقى قائمة بعد تفكّك الفيدراليّة الرّوسيّة. وهذا سيكون، بعد اتّباع نفس المسار الذي سار عليه الاتحاد السوفياتي خلال فترة البيريسترويكا.”
ويعترف أبناء بطرسبورغ بأن “المرحلة الروسية من هذا التاريخ” كانت بما لا يدع مجالا للشك “الألمع”. “لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن كامل المعنى [لمنطقتهم] تم استنفاده خلال فترة المائتا عامٍ هذه.” بطبيعة الحال، فقد انتهت تلك الفترة بالفعل برحيل العاصمة الرّوسيّة الى موسكو، وهي الخطوة التي حولت بطرسبورغ إلى “مدينة عظيمة مع مصير عاصمة إقليميّة”.
عانت سان بطرسبورغ بشدّة من حكم موسكو. إنها تفتقر إلى وسائل إعلام جدّيّة، “ليس هناك رأياً عاماً أو شعوراً بِأنا أسياد مصيرنا الإقليمي”. وهذا على وجه الخصوص مغيظ لأن مواطني بطرسبورغ ليس لديهم إمكانية مدنية متواضعة”، كما أظهر الوضع خلال سنوات البيريسترويكا الوجيزة.
البعض في سان بطرسبورغ يعتقدون الآن أنه يمكنهم أن يكونوا مشاركين في حكم الإمبراطوريّة جنبا إلى جنب مع موسكو، لكن “حالما تأتي المرحلة القادمة من شبه انهيار الإمبراطورية الجديد، ستشهد بطرسبورغ تفعيل نصف وعيها الأوروبي حيث أن ذلك حدث خلال حقبة البيريسترويكا”، والمدينة ومنطقتها “لن تبقى تحت حكم موسكو لثانية واحدة!”
وبمجرّد أن يحدث ذلك، فسوف “تعتبر المدينة والمنطقة المحيطة بها منطقة من مناطق بحر البلطيق، وهي حلقة في سلسلة من الحلقات لدول البلطيق من المنطقة الأوروبية الكبرى التي تبدأ بالنرويج وتنتهي بالدنمارك. هذه الحلقة سوف تمر من خلال بطرسبورغ الّتي أصبحت اليوم منقطعة بشكلٍ مصطنع من هذا السياق”.
بالفعل في الوقت الحاضر، يقول كوتسيوبينسكي، هلسنكي هي “الأقرب خارجياً” لمواطني بطرسبورغ، مكان يذهب اليه المرء لقضاء العطلات، في حين أن موسكو هي “الأبعد خارجياً” يذهبون إليها فقط من أجل متطلبات وظائفهم. بطرسبورغ هي “مدينة تتبع البلطيق، وهي مدينة في الشمال الأوروبي، وليست موسكوفيّة روسيّة.”
ووفقا لكوتسيوبينسكي فإن أبناء بطرسبورغ لا يملكون سوى إنتظار تلك “الساعة عندما تُظهر الإمبراطورية عجزها مرة أخرى على البقاء على قيد الحياة كما حدث في وقت غورباتشوف”، و”هذه اللحظة لم تعد بعيدة”.
المصدر: (http://windowoneurasia2.blogspot.com/2013/08/window-on-eurasia-empires-dont-become.html)
نقلاً عن: موقع الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة على الفيسبوك