فتحت حرب بوتين في أوكرانيا الطريق أمام الشركس لتحقيق أهدافهم

فتحت حرب بوتين في أوكرانيا الطريق أمام الشركس لتحقيق أهدافهم

بول غوبل

نافذة على أوراسيا

مؤتمر شمال القوقاز الأول

المشاكل العرقيةالثقافية للأمة الشركسية

7 – 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 قصر بوتوتسكيخ، جامعة وارسو

ترجمة: عادل بشقوي

9 نوفمبر/تشرين الثاني 2022

لقد منح غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا الشركس فرصًا أكبر من أي وقت مضى للتغلب على خلافات الماضي، لتحقيق العدالة على الجرائم التي ارتكبت بحقهم، واستعادة كيان لهم في شمال القوقاز يضمن مستقبل الأمة. في أقل من عام، غير العالم الذي يمكن للشركس العمل فيه جراح روسيا الذاتية داخل وما وراء الحدود الحالية للفيدرالية الروسية، والموقف المتغير للمجتمع الدولي تجاه استمرار وجود إمبراطورية مركزها موسكو، والنمو السريع المذهل في الدور الدولي لأوكرانيا واستعدادها لمعالجة مشاكل الشعوب التي لا تزال تحت نير موسكو. فهناك كل الدلائل على أن هذه التطورات الثلاثة المترابطة سوف تتسارع في الأسابيع والأشهر القادمة، ويجب على الشركس وكل من يهتم بهذه الأمة أن يفهموا ما يجري وأن يكونوا مستعدين لاغتنام زمام المبادرة. وإذا لم يفعلوا ذلك، فقد تفوت هذه الفرصة؛ وقد لا تأتي مرة أخرى قريبًا.

لقد كان غزو بوتين لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط بمثابة كارثة لروسيا على المستوى الدولي، وهذا ما يمثل الآن أساسًا مشتركًا. لقد تعرض ذلك البلد لإدانة شبه عالمية من قبل المجتمع الدوليإن التصويت شبه الاجماعي ضد موسكو في الأمم المتحدة ليس سوى الإجراء الأكثر وضوحًا لذلكوالعقوبات الهائلة وغير المسبوقة من قبل القوى الاقتصادية الرائدة في العالم. نتيجة لذلك، لم تكن روسيا أكثر عزلة دوليًا مما هي عليه اليوم. في الواقع، يجب أن نتذكر هذا ، فهي الآن أكثر عزلة بكثير مما كان عليه الاتحاد السوفياتي حتى في أقسى وأصعب أيام عهد الحرب الباردة.

لكن الكارثة التي ألحقها قرار بوتين بروسيا نفسها هي، إذا كان هناك من شيء، فهو الجرح الأكثر خطورة الذي قامت هي بإلحاقه بنفسها. فقد تركت العزلة التي أحدثها، كافة المواطنين الروس تقريبًا أفقر مما كان يمكن أن يكون عليه الأمر بخلاف ذلك، وقد أثار سعيه وراء إمبراطورية روسية جديدة على غرارعالم روسي جديدغضب الكثيرين ممن قد يكونون حلفاء له؛ فقراره باستخدام رجال من مناطق روسية نائية وبعيدة عن موسكو وخاصة من المناطق غير الروسية بدلاً من المدن الروسية الكبرى، أدى إلى تفاقم التوترات العرقية والطبقية والإقليمية. كل هذه الأمور مجتمعة جعلت الناس خارج الطريق الدائري أكثر معارضة لموسكو في توجههم مع أولئك الذين تحملوا الموقف ويطالبون الآن بقدر أكبر من الحكم الذاتي، وأولئك الذين أرادوا المزيد من الحكم الذاتي يطالبون بشكل متزايد بالاستقلال التام. ولا يزال دكتاتور الكرملين يتمتع بدعم الأغلبية الروسية، لكن من الواضح أن هذا الدعم أصبح مشروطًا وهشًا بشكل متزايد، حيث انقلب السكان ضده في العديد من الأماكن، وقبل كل شيء في الجمهوريات غير الروسية.

منذ عام مضى، كان يُنظر إلى أي شخص يتحدث عن تفكك الفيدرالية الروسية على أنه هامشي أو لا صلة له بالواقع، حتى من قبل منتقدي النظام. لكن الآن أصبح احتمال أن الدولة لن تبقى في حدودها الحالية لفترة أطول من ذلك بكثير سائدًا حتى في موسكو نفسها، حتى أولئك الذين يتوقع أن يدعموا بوتين لم يعودوا واثقين من أنه قادر على الحفاظ على تماسك الأمور. في الواقع فإن أخطائه في حملة التعبئة من خلال التخطيط لمزيد من اللاجئين من أوكرانيا إلى المناطق غير الروسية وبالتالي تقليل الحجم النسبي لقومياتهم الاسمية أو الفخرية ووضعهم في طريق الاندماج مع المناطق الروسية وإنشاء وحدات عسكرية إقليمية وحتى قيادات إقليمية. لم يتم الشعور بالتأثير الكامل لهذه الخطوات بعد، لكن في جمهورية بعد أخرى، يرى المزيد من غير الروس أن حاكم الكرملين يمثل تهديدًا لهم ولمستقبلهم.

أصبحت هذه المواقف المعادية لموسكو الآن أقوى من أي وقت مضى منذ عام 1991 — وفي العديد من الأماكن، أصبحت أكثر حدة اليوم مما كانت عليه قبل 30 عامًا. فإذا كان هناك عدد قليل فقط من الجمهوريات ذات الحكم الذاتي داخل جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية لديها سكان يهتمون بالسعي إلى الاستقلال، فمن المؤكد الآن أن أكثر من نصفهم يفعلون ذلك، بما في ذلك الأماكن التي لم يعتقد أحد أبدًا أنها ستفكر في ذلك. ولا يزال لدى بوتين الموارد القهرية للانتشار ضدهم، لكن الإكراه بحد ذاته سيؤدي في المستقبل القريب إلى عدم التمكن من إبقاء السيطرة عليهم. ومن المحتمل أن يكون زعيم الكرملين قريبًا في وضع مشابه لمن يرش الماء على نار الشحوم: ما يبدو كافيًا لإطفاء لهب واحد سيكون له في الواقع تأثير نشر ذلك اللهب للآخرين. هذا شيء من المحتمل أن يفهمه الموالون لبوتين في الأجهزة الأمنية، وإذا أُمروا بالتصرف بطرق قد تؤدي إلى نتائج عكسية، فيمكن أن ينقلبوا على الزعيم الروسي على أمل إنقاذ أنفسهم.

هذا لا يعني أن جميع مناطق روسيا ستمضي في طريقها الخاص أو أن أوراسيا ستضم قريبًا 30 أو 40 دولة جديدة أو أكثر. فمن المرجح أن تسعى العديد من الجمهوريات، وحتى أكثر من الأقاليم والمقاطعات ذات الأغلبية العرقية الروسية، إلى تشكيل نوع من الاتحاد الكونفدرالي، لكنهم سيصرون على أن يكونوا هم من أوجدوه بدلاً من السماح لموسكو باغتصاب كل سلطاتهم كما فعلت بسرعة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. وفي الوقت نفسه، سيدرك الأكثر ذكاء منهم منذ البداية أن مثل هذا الاتحاد سيكون ممكنًا، إذا وفقط إذا، انفصل عدد من الجمهوريات غير الروسية وحتى بعض المناطق ذات الغالبية العرقية الروسية وأصبحت دولًا مستقلة. هذه حقيقة جديدة، مختلفة تمامًا عما كان عليه الوضع قبل عام، وهي حقيقة لا تؤثر فقط على الحسابات الروسية وغير الروسية داخل البلاد ولكن ربما الأهم من ذلك بكثير على تفكير المجتمع الدولي.

نظرًا لأن غزو بوتين لأوكرانيا تزامن بشكل تام مع الذكرى الثلاثين لتفكك الاتحاد السوفياتي، فإن الكثيرين في الغرب يتوصلون إلى استنتاجات حول ما يجب القيام به لضمان عدم غزو موسكو لجيرانها الآخرين. في عام 1991، نظرًا لأن المزيد من الناس يدركون الآن أن العديد من القادة يعتقدون أنه إذا توقف أولئك الذين يترأسون الفيدرالية الروسية عن تسمية أنفسهم شيوعيين، فسوف يصبحون حتماً حلفاء للغرب بصفة ليبراليين وديمقراطيين وحلفاء في تحرير السوق، ولن يشكلوا تهديدًا لجيرانهم أو للعالم. في الوقت الحاضر، هناك اعتراف متزايد بأن الفيدرالية الروسية هي اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في شكل مصغر، وأن تغيير القيادة في موسكو لم يكن في الماضي ولا يكفي الآن لمواجهة التهديدات التي تنشأ عن ذلك، وأنه ينبغي أن يحصل المزيد من التعاطف والدعم للمناطق والجمهوريات ويجب زيادة المطالب على موسكو فيما يتعلق بتصرفاتها تجاههم. فعلى أقل تقدير، يوجد الآن إدراك واسع النطاق بالصلات الوطيدة المتأصلة بين ما يفعله الكرملين بإمبراطوريته داخل الحدود الحالية للاتحاد الروسي وما يفعله بأولئك الموجودين الآن خارج تلك الحدود، لكنه لا يزال يعتقد أن ذلك من حق روسيا تماما.

باختصار، إذا كانت موسكو تريد أن تتوقف عن شن الحروب الإمبريالية، فعليها أن تتوقف عن كونها إمبراطورية؛ ولأن الغرب لا يريد المزيد من مثل هذه الحروب، فإنه مدفوع بشكل متزايد إلى استنتاج مفاده أنه يجب إجبار روسيا على التوقف عن كونها إمبراطورية حتى داخل حدودها.

إن قول هذا لا يعني أن الغرب مستعد لانهيار الفيدرالية الروسية أو أنه يخطط لتفكيك روسيا كما يصر البعض في موسكو. فلم يكن مستعدا لانهيار الاتحاد السوفياتي، ولم يروج لذلك، حتى إلى درجة توخي الحذر الشديد فيما يتعلق باستعادة استونيا، ولاتفيا، وليتوانيا لاستقلالها الفعلي، التي اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية باستقلالها الشرعي على الأقل دون انقطاع منذ عشرينيات القرن الماضي. في الواقع، عارضت العديد من الحكومات الغربية تفكك الاتحاد السوفياتي حتى النهاية، منتهكة لمبادئها من أجل ما يلائمها. إنه ليس جاهزًا الآن كما أشار العديد من المعلقين، وهو لا يروج للتفكك مهما ادّعت موسكو خلاف ذلك.

لكنهذه مشكلة كبيرة جدًاهناك أصوات أكثر بكثير في الغرب تدرك أن تنصيب الليبراليين في الكرملين لن يحل المشكلة لأن مثل هؤلاء الليبراليين سوف يميلون إلى أن يصبحوا إمبرياليين وبالتالي يصرون على أن الإمبراطوريةالداخليةالمتبقية يجب تفكيكها خشية أن يستمر حكامها في الانتقام من حكامهاالخارجيينالمفقودين. ولأن الأمر كذلك، فإن الجمهوريات غير الروسية والمناطق الروسية لديها مجموعة من المحاورين في العواصم الغربية أكثر تعاطفًا بكثير مما فعلته جمهوريات الاتحاد في عامي 1990 و 1991. وما إذا كان ذلك سيستمر، فإنّهُ من المرجح أن يعتمد على مسار الحرب في أوكرانيا، لكن هذا التحول ملموس، ومرحب به وشيء أعتقد أنه يجب على الشركس وكثيرين آخرين الاستفادة منه الآن.

غير أن التغيير الثالث هو الأكثر وضوحًا وقد يكون الأكثر أهميةهو ظهور أوكرانيا كمتحدثة باسم بل وزعيمة للشعوب التي لا تزال تحت نير موسكو. أخذت أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي المستمر، صفحتين من الدليل الأمريكي لحقبة الحرب الباردة: دعا برلمانها إلى الاعتراف الدولي بحق شعوب الفيدرالية الروسية في تقرير المصير، وأشار رئيسها إلى روسيا بوتين، باعتبارها نسخة مُحَدّثة من إمبراطورية الشر. أولها يردد أصداء قرار الكونجرس الأمريكي لعام 1959 في أسبوع الأمم الأسيرة، لكنه يذهب إلى أبعد من ذلك بإدانة موسكو لارتكابها أعمال إبادة جماعية ضد غير الروس داخل الحدود الحالية للاتحاد الروسي بما في ذلك من خلال استخدام التعبئة الانتقائية. والثاني يردد كلمات الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان الذي وصف الاتحاد السوفياتي في عام 1983 بأنه إمبراطورية الشر. هذه المواقف ساهمت في زوال الاتحاد السوفياتي. ويمكن لمواقف أوكرانيا أن تساهم في زوال الاتحاد الروسي.

لكن أوكرانيا ذهبت الآن إلى أبعد مما فعل الغرب، حيث اعترفت بجمهورية إشكيريا الشيشانية على أنهاتحت الاحتلال الروسي المؤقت“. هذا أقل من الاعتراف الفعلي، لكنه أبعد من أي عضو آخر في المجتمع الدولي كان على استعداد للذهاب لهذا المدى حتى الآن. ولكن كما يتذكر أولئك الذين يتذكرون أهمية أن تصبح آيسلندا أول دولة تعترف باستقلال ليتوانيا الفعلي في شهر يناير/كانون الثاني 1991، فإنّهُ بمجرد قيام دولة بذلك الإعتراف، يصبح الأمر أسهل بكثير بالنسبة إلى دولة أخرى. ونتيجة لذلك، لا يسعني إلا أن أعبر عن اتفاقي الصادق مع ملاحظة أفرام شموليفيتش بأن هذه الخطوة الأوكرانية ستتبعها دول أخرى في أوروبا الشرقية ومنطقة البلطيق ثم دول أخرى، وهذا سيفتح المجال لأوكرانيا أولاً وثم تعترف الدول الأخرى بأن شركيسيا هي أيضًا عبارة عن دولة خاضعة للاحتلال الروسي المؤقت وأن شعبها وقع ضحية إبادة جماعية قامت بها الدولة الروسية.

سوف يعترض البعض على ما فعلته أوكرانيا باعتباره ليس أكثر من وسيلة في زمن الحرب تسعى من خلالها دولة لإضعاف خصمها من خلال حشد دعم معارضي عدوها. هذا بالتأكيد عامل مؤثر، لكنه ليس العامل الوحيد. لقد اعترفت أوكرانيا منذ فترة طويلة وكانت واضحة جدًا لمحاوريها في الغرب أن ما يحدث داخل حدود الاتحاد الروسي يقود ما تفعله موسكو فيما يتعلق بجيرانها والعالم. وبالتالي، فإن الانتصار الأوكراني في الحرب الحالية يجب أن يكون أكثر من مجرد إخراج المحتلين الروس من أوكرانيا: يجب أن يكون الأمر يتعلق بإخراج المحتلين الروس من جميع الأماكن الأخرى التي تعتبر فيها روسيا محتلّة حتى يومنا هذابما في ذلك على وجه الخصوص الأمم الموجودة داخل الحدود الحالية للاتحاد الروسي.

بالنسبة لأولئك منا الذين تعقبوا إمبريالية موسكو لعقود، فإن هذه التطورات موضع ترحيب كبير. إنها ليست ضمانًا لنجاح الشركس أو غيرهم من غير الروس بالضرورة. فالعقبات أمامهم هائلة. لكن اليوم هناك فرصة أن تتحقق أخيرًا المعجزة الشركسية، كما سماها عادل بشقوي. وهذا سبب للاحتفال في حد ذاته وكذلك دعوة للعمل لقادة الشعب الشركسي وأصدقائهم للعمل عن كثب مع أوكرانيا، ومع الغرب ومع المجموعات الإقليمية غير الروسية والروسية الأخرى حتى يتحقق هذا الهدف طويل الأمد للشعب الشركسي في النهاية.

Share Button

اترك تعليقاً