الدرس الأوكراني الذي لا يُنسى، الجزء الثالث من ثلاثة أجزاء
عادل بشقوي
26 فبراير/شباط 2023
المثير للدهشة أن أحدهم يدعو إلى إحياء التسمية الاستعمارية لمحافظة كوبان، وهو الاسم الذي أعطته القيادة العسكرية الروسية لشركيسيا فور احتلالها في بداية الستينيات من القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت أُعْطِيَ المستوطنون الروس وغيرهم ممن انضموا إلى صفوف القوات الغازية لمحاربة الشركس مثل القوزاق وغيرهم مهمّة بناء المستوطنات والحصون على أراضي وسواحل شركيسيا على البحر الأسود.
فكيف بحق السماء وبأي منطق يقول النائب أوليكسي غونشارينكو إنه يريد إحياء نتائج جريمة ارتكبتها القوات الغازية الروسية من خلال الإصرار على تسمية الوطن الشركسي بالاسم الذي أطلقه القادة العسكريون الروس. بينما هو في الوقت الحاضر ضد الاحتلال الروسي لأوكرانيا. كيف يمكن أن تتطابق هذه الحقائق في ضوء الواقع الملموس. فكيف وبأي منطق تعمل هذه الآلية، عند إحياء نتائج جريمة شنيعة ارتكبتها إمبراطورية الشر الروسية أثناء الاحتلال. بينما موقف النائب الأوكراني هو ضد الاحتلال الروسي الوحشي لأجزاء من الأراضي الأوكرانية والسواحل البحرية في الوقت الحاضر.
على ما يبدو، يميل بعض الناس الى تناسي حقيقة أن هناك خمس مقاطعات أوكرانية محتلة ضمتها روسيا رسميًا ولكن بشكل غير شرعي بعد استفتاءات وهمية، في تحد صارخ للقوانين والأعراف الدولية. ومع ذلك، من المربك رؤية من يقفز عبر الحدود الدولية نحو منطقة محتلة أخرى من قبل نفس المعتدين للمطالبة بها لغير المالكين الحقيقيين لها لفتح الطريق أمام ضمها ”المحتمل“ إلى أوكرانيا.
يخضع حل قضية الأراضي الشركسية التي احتلتها الإمبراطورية الروسية واستولت عليها بقوة السلاح من أصحابها، للقوانين الدولية ذات العلاقة. ولا شك أن أصحابها الأصليين هم أولى بأن يستعيد سيادته عليها وفق الوثائق التي تثبت أهليتهم واستحقاقهم لاستعادة حقوقهم المصادرة. يجب أن يتم ذلك إما بالاتفاق مع الدولة الروسية إذا عادت إلى رشدها، أو بالطريقة التي تمليها القوانين والأعراف الدولية.
ومن المثير للاهتمام أن النائب غونشيرينكو أرسل شريط فيديو للشركس في يونيو/حزيران 2022 يدعو فيه إلى الحرية ويعرب عن استعداده لتقديم اقتراح إلى البرلمان الأوكراني للاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية. وهو يمثل كتلته النيابية المكونة من عشرة نواب يمثلون بعض الأحزاب الأوكرانية. كرر الموضوع عدة مرات على وسائل التواصل الاجتماعي وحتى عبر الاتصال المباشر مع الشركس الذين تمكن من الاتصال بهم بشكل منتظم.[1]
فجأة، حصل مؤخرًا على فرصة لإلقاء خطاب في بث حي ومباشر على الإنترنت، وظهر بخطاب سياسي وأجندة مختلفة. بدون أي مقدمات، ظهر في مقطع فيديو مرتديًا قميصًا مثل الرياضيين، وذلك أثناء مشاركته في خطاب عبر الإنترنت في مؤتمر بعنوان “التحضير لحل الفيدرالية الروسية”. لاول وهلة عند رؤيته يرتدي تي شيرت أبيض اعتقدت بان الأحرف الخمسة المدونة على القميص هي الأحرف الأولى من اسماء خمسة مقاطعات ضمتها روسيا مؤخرا بشكل غير قانوني. وبدا كأنه يريد الإدلاء ببيان انتخابي بهدف كسب الشعبية عندما قال ان الكلمة هي ”كوبان“. ومن ثم فهو يتجاوز المبادئ والقوانين والأعراف التي يجب عليه الالتزام بها. وكذلك هذا ليس تصرف يتوافق مع علاقات النوايا الحسنة والطيبة التي كان من المأمول أن تكون بين الشركس والأوكرانيين.[2]
كُتبت كلمة كوبان على القميص الذي يرتديه، وهي في الأصل كلمة شركسية واسم نهر، لكن يبدو أن القصد هو إعطائها مفاهيم استعمارية أخرى. غيرت الإمبراطورية الروسية اسم شركيسيا بعد إحتلال وإبادة وترحيل غالبية شعبها. كان الهدف هو تغيير الاسم الأصلي للمنطقة، التي كانت تُعرف باسم شركيسيا، والتي تم حذفها حتى من خريطة المنطقة. قد يؤدي وصف مستعمري كوبان إلى عواقب سيّئة وغير مستحبّة على علاقات الطرفين.[3]
من المهم والحكمة أن نفهم أن حرب روسيا ضد أوكرانيا جعلت الدول الديمقراطية في العالم تقدم مساعدات مختلفة لمساعدة أوكرانيا وشعبها على مقاومة الاستعمار الروسي. ساعدت هذه الدول الأوكرانيين الذين أجبرتهم الغارات الروسية العشوائية على اللجوء إلى الدول المجاورة لحين انتهاء الحرب. جعلت المساعدات الاقتصادية والعسكرية والمعنوية القوات الأوكرانية قادرة على الصمود. أصبحوا قادرين على وقف وحتى هزيمة القوات الغاشمة لثاني أكبر جيش في العالم، وسيحمي ذلك في نهاية الأمر سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية.
دعونا لا ننجر وراء السراب. بل يجب التصدي للخطة الروسية التي تهدف الى ايجاد امراء حرب جدد من قوميات مختلفة يعملون بموجب الامر الواقع الروسي المتمثل بقبول نتائج الغزو والاحتلال، وبالتالي دفع منطقة القفقاس وشركيسيا نحو التصعيد والحروب الدموية. وهنا يجب التذكير بأسلوب المستعمرين الذي يؤدي الى انتهاج سياسة “فَرّق تسد“
[1] https://www.youtube.com/watch?v=xtNRiiOlIKU
[2] https://www.youtube.com/watch?v=lcO7-TlmZHc
