موسكو تواجه معضلة مزعجة في التعامل مع قضية شركس سوريا

موسكو تواجه معضلة مزعجة في التعامل مع قضية شركس سوريا

نشر موقع  مؤسّسة جيمس تاون الألكتروني على الإنترنت بتاريخ 25 يناير/كانون الثّاني 2012 مقالا للكاتب فاليري دزوتسيف (Valery Dzutsev) بعنوان: “موسكو تواجه معضلة مزعجة في التعامل مع قضية شركس سوريا“، وجاء فيه:

جلسة الأديغة خاسة – المجلس الشّركسي في  ديسمبر/كانون الأوّل 2011 (المصدر: Caucasian Knot)
جلسة الأديغة خاسة – المجلس الشّركسي في ديسمبر/كانون الأوّل 2011 (المصدر: Caucasian Knot)

في 22 يناير/كانون الثّاني، اجتمعت منظمة للناشطين الشّركس هي المجلس الشركسي – الأديغه خاسه في عاصمة جمهوريّة أديغيه، مايكوب، وعقدت العزم على عقد مؤتمر بشأن إعادة توطين الشراكسة من سوريا. ومن المتوقع أن يعقد المؤتمر في جمهورية أديغيه يوم 11 فبراير/شباط. كما دعا النشطاء الشركس في قباردينو – بالكاريا لعقد مؤتمر لمناقشة هذه القضية. في ديسمبر/كانون الأوّل 2011 وكذلك في وقت مبكّر من هذا الشّهر، ناشدت عشرات العائلات الشركسية التي تعيش في سوريا الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف للسماح لها الانتقال إلى شمال القوقاز (http://adygeia.kavkaz-uzel.ru/articles/199730, January 23).

كما يظهر الوضع في سوريا إشارات ضئيلة للتحول السلمي، يحاول الشراكسة الذين يقيمون هناك إيجاد مخرج من خلال العودة إلى أرض آبائهم وأجدادهم. معظم الشركس في سوريا الّذين يقدر تعدادهم ب 150000 شركسي هم أحفاد أولئك الذين طردهم الروس من وطنهم في شمال القوقاز إلى الإمبراطورية العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. في حين أن الشركس كانوا تقليديا من الموالين للحكومة السورية، لكن الإضطرابات الأخيرة في البلاد جعلت الكثير منهم يعيدون النّظر في ولاءاتهم. وناشد نشطاء الشركس في شمال القوقاز في مايو/أيار 2011 موسكو لمساعدة ذويهم في سوريا، ولكن ردّت موسكو بغرابة على أن الوضع لا يتطلب تدخّلها (أنظر إلى “النظام السوري يفقد دعم المجتمع الشركسي“، تقديم سفيان جموخوف، بتاريخ 10 يناير/كانون الثّاني).

أحد الجانبين ذو حساسيّة للمشكلة لأنه حليف لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وموسكو لا تريد أن يتصف الوضع في هذا البلد بأنه حرب أهلية أو كارثة إنسانية. وعن طريق نقل المئات من الشركس من سوريا، فإن موسكو تلقي الضؤ بشكل غير مباشر على الوضع المأساوي في هذا البلد الشرق أوسطي وتجعل من الصعب على المسؤولين الروس الدفاع عن الأسد في مواجهة الإنتقادات من الدول الغربية والعربية على حد سواء.

في 13 يناير/كانون الثّاني، نظم نشطاء المجتمع المدني الشركسي مؤتمرا حول الشركس السوريّين. وقال المشاركون في المؤتمر بأن 411  من الشركس السوريين قد ناشدوا رسميا الرئيس الروسي للحصول على المساعدة. ويمكن لهذا العدد أن يزيد للآلاف، على الرغم بأنه لا يُتوقّع أن كل الشركس السوريّين سينتقلون إلى شمال القوقاز. ويمكن أن تعتبر جمهوريّة أديغيه لأن تكون أفضل مكان للعائدين، نظرا لأنه لديها خبرة في استيعاب اللاجئين الشركس الآخرين والكثافة السكانية المنخفضة. وورد بأن المشاركين عرضوا في المؤتمر مواقف مختلفة تجاه روسيا، مذكّرين من جهة، بالفظائع الكبرى التي ارتكبت ضد الشراكسة من قبل الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر، بينما من ناحية أخرى، مدركين بأن الشركس سيحتاجون مساعدة الحكومة الروسية، ويسعون لطمأنتها بأن العائدين الشركس لن يسببوا أي مشكلة بالنسبة لروسيا في شمال القوقاز (http://www.elot.ru/main/index.php?option=com_content&task=view&id=2695&Itemid=1, January 17).

وبصرف النظر عن الاعتبارات الدولية، فالحكومة الروسية لديها مخاوف محلية بشأن اعادة توطين الشركس من سوريا. بادئ ذي بدء، فإن الشتات الشركسي كبير إلى حدٍ بعيد وأنه من غير الواضح كم منهم يريد إعادة التوطّن في شمال القوقاز. إذا ما سمح لجميع أولئك الذين يسعون إلى إعادة التوطّين، فإن ذلك قد يغير كثيرا من الخريطة العرقية في شمال القوقاز، والتي دأبت موسكو جاهدة لمحاولة روسنتها وجعلها روسيّة. وإذا لم يسمح الا لعدد قليل ويبقى معظم الّذين يمكن أن يكونوا من العائدين من أصل شركسي في الخارج، فيمكن أن يثير ذلك شراكسة شمال القوقاز بشكل أكبر. إن ذلك اعتبار ضمني، والذي لا تعلن عنه موسكو الرّسميّة صراحة، ألا وهو أن مهاجرين من غير العرقيّة الروسية، هم ليسوا سوى السكان الأصليين للبلاد مثلهم مثل العرقيّين الروس يُعتبرون نوعا ما أقل ترحيباً في الفيدراليّة الروسيّة.

في لفتة نادرة لدعم شركس سوريا، أدلى زعيم جمهوريّة قباردينو – بالكاريا أرسين كانوكوف، ببيان خاص. وقال فيه: “من الضروري مساعدة مواطنينا في الخارج للعودة الى روسيا”. “نحن نستقبل الأجانب بيسر، في حين نخجل مناقشة الوضع حول مواطنينا. فيما يتعلق بالشركس السوريّين، فإنّ عودتهم الى روسيا لا تجلب أيّة تهديدات. التقيت بممثلين عن الشتات الشركسي في سوريا والأردن وإسرائيل وتركيّا وشهدت مشاعرهم المؤيدة لروسيا؛ إنّهم أناس مخلصون جداً” (http://www.regnum.ru/news/kavkaz/kab-balk/1488420.html, January 16).

ومن المحتمل، فإنّه من الممكن لروسيا تسجيل نقاط بإظهار نفسها كمدافع عن الشركس والتخفيف جزئيا من معارضة النشطاء الشركس لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في عام 2014 في سوتشي. من خلال توفير ممر آمن للشراكسة العائدين من سوريا الى شمال القوقاز، قد تكسب موسكو بعض من قلوب وعقول الشركس، لا سيما هؤلاء السكان المحليين الذين يعارضون الأولمبياد على أساس أنها ستعقد على موقع الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة التي وقعت في القرن التاسع عشر. لكن في هذه اللحظة، فإنّه يبدو أن صُنّاع القرار في موسكو يتأثرون بالعوامل السلبية المرتبطة بعودة الشراكسة السوريّين إلى شمال القوقاز.

في 17 يناير/كانون الثّاني، قام وفد حكومي أبخازي في زيارة مفاجئة الى سوريا للتحقق من وضع السكان الأبخاز والشركس هناك. الأبخاز العرقيّين لا يزالون في وضع ديموغرافي متزعزع في الأراضي الجورجية الانفصالية في أبخازيا على الرغم من طرد جماعي للإثنيّين الجورجيّين خلال الحرب الجورجيّة – الأبخازيّة في العامين 1992-1993. إنّ من المفترض أن تكون أبخازيا مهتمة في جذب المهاجرين الأبخاز. غير أنّه، ربما لأن الحكومة الأبخازية هي تحت العين اليقظة للكرملين، فإن معظم الّذين اجتمع الوفد الأبخازي معهم في سوريا هم من العرقيّتين الأبخاز والشّركس الذين لا يسعون للعودة إلى أرض آبائهم وأجدادهم. وقد ورد بان ست عائلات أبخازيّة فقط تم تحديدها كانت تسعى للإنتقال إلى أبخازيا. بعض المصادر غير الرسمية أبلغت عبر مواقع على الإنترنت ان الحكومة السورية لم تسمح لأعضاء لوفد الأبخازي لقاء الناس الذين يريدون مغادرة سوريا. وقد زُعِمَ أن الوفد الأبخازي قام بزيارة قصيرة للغاية، وسرعان ما غادر البلاد لتجنب حشود من ذوي العرقيّتيْن الأبخازيّة والشّركسيّة يتوسلون للحصول على عون للخروج من سوريا (http://www.aheku.org/page-id-2815.html, January 23).

الأزمة السورية تعرض موسكو في وضع خاسر لا محالة ذلك أن الحكومة الروسية ونفورا من المخاطر فإنّها غير راغبة في محاولة حلّها، على أمل أنها من الارجح سوف تتبدد من ذاتها تدريجيا. وهذا النهج، على أي حال، سوف لن يؤدّي إلا إلى المزيد من توسيع الفجوة بين الشراكسة في شمال القوقاز وموسكو. في حين أن موسكو يمكنها بأريحيّة أن تحاول تجاهل هذه القضية طالما أرادت ذلك، لكن الخطر الحقيقي قد ينشأ إذا ارتأت تبليسي في أن  في ذلك فرصة وتحاول الاستفادة من الوضع من خلال عرض تقديم مساعدة لنقل الشركس من سوريا الى جورجيا، وهي إمكانية غير مشكوك في حدوثها والتي أثارها بعض الناشطين الشركس على مستوى شخصي مع الجورجيين في محاولة للحصول على دعمهم من أجل معاناة مواطنيهم في سوريا.

 

ترجمة:  مجموعة العدالة لشمال القوقاز

Share Button

روسيا تدين تعليق بعثة المراقبين العرب في سوريا

روسيا تدين تعليق بعثة المراقبين العرب في سوريا
sergeylavrov96

دانت روسيا الاحد قرار تعليق مهمة بعثة المراقبين العرب في سوريا بعد حملة عنيفة على المتظاهرين المناهضين للحكومة.

ونقلت وكالة “ايتار تاس” الروسية للانباء عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يزور بروناي قوله: “نود ان نعرف السبب الذي يجعلهم يتعاملون مع مهمة مفيدة بهذه الطريقة”، واضاف: “لو كنت مكانهم لكنت اؤيد زيادة عدد المراقبين”.

وتابع “اننا مندهشون انه بعد اتخاذ قرار بتمديد بعثة المراقبين لشهر اخر قامت بعض الدول بالاخص بلدان الخليج باستدعاء مراقبيها من البعثة”.

وشدد لافروف على انه لا يدعم البلدان الغربية التي قالت ان البعثة لا طائل منها وانه من المستحيل اجراء حوار مع نظام الرئيس السوري بشار الاسد، واصفا هذه التصريحات بغير المسؤولة اطلاقا. وحذر من ان السعي لاجهاض فرصة لتهدئة الوضع امر لا يغتفر.

واشار لافروف الى ان روسيا تريد قراءة تقرير المراقبين العرب قبل زيارة يقوم بها الامين العام للجامعة العربية ورئيس وزراء قطر لمجلس الامن الثلثاء حيث سيطالبان بتحرك على صعيد الامم المتحدة. ونقلت وكالة “انترفاكس” الروسية عن لافروف قوله: “بالطبع سنستمع لهم، غير اننا اوضحنا انه يتعين علينا الاطلاع على التقرير بأنفسنا الذي يتم التقدم بالمبادرة على اساسه”.

Share Button

المحاضرة الأولى من سلسلة (أن تعرف قضيتك): مدخل للتاريخ الشركسي الحديث للأستاذ جميل اسحاقات

المحاضرة الأولى من سلسلة (أن تعرف قضيتك): مدخل للتاريخ الشركسي الحديث للأستاذ جميل اسحاقات

مدخل للتاريخ الشركسي الحديث جميل اسحاقات

أودّ قبل أن ابدأ حديثتي أن أتقدّم بالشكر والامتنان للأستاذ الدكتور والتر ريتشموند على الجهد الكبير وعلى السنوات والأشهر التي أمضاها في البحث والتنقيب ودراسة وتمحيص الوثائق ، وعلى موضوعيته وحياديته وحسّ المؤرخ المرهف الذي استطاع من خلاله أن يتلمّس الحدث وتأثيراته وبشكل خاص على الجانب المظلوم ، أودّ أن أشكره على إصداره هذا الكتاب المتميّز شمال غرب القفقاس : الماضي والحاضر والمستقبل الذي استطاع فيه أن يتلمّس وبحرفية المفاصل المهمة في التاريخ الشركسي ، وأن يركّز على كثير من المفاصل المهمّة التي حاول غيره من المؤرخين تجاوزها ، أودّ أن أشكره على صدقه وحياديته وعلى صبره وعلى محبته للأمة الشركسية التي درس تاريخها . وهو الآن بصدد إصدار كتاب آخر عن الإبادة التي تعرّض لها الأمة الشركسية .

هذه المحاضرة باكورة مجموعة من المحاضرات التثقيفية عن القضيّة الشركسية لذا ارتأيت أن من الأفضل أن تكون إطلالة على التاريخ الشركسي المعاصر ، وجولة عامة نحاول أن نتعرّف من خلالها على أهم مفاصل تاريخنا المعاصر دون الدخول في التفصيلات . وسأتحدّث عن عصور ثلاثة هي : العصر القيصري والعصر البلشفي وعصر الفدرالية الروسية الحديثة ( أي ما بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي).

تعلمون أن المنطقة التي احتلتها القيصرية الروسية هي ما كان يعرف بشركيسيا ، وهي المنطقة الممتدة على طول شواطئ البحر الأسود ابتداء من شبه جزيرة تامان شمالا وحتى الحدود الجورجية جنوبا ، وتمتدّ من هناك شرقا لتشمل السفوح الشمالية لجبال القفقاس ومنابع نهر الكوبان العظيم وأوديته المختلفة ، أي تلك المنطقة المعروفة باسم الحوض الجنوبي لنهر الكوبان ، وتمتد شرقا لتشمل المنابع العليا لنهر التيرك والسهوب الممتدة شمالا والمعروفة باسم سهول القبردي . هذه هي أرض الاديغه التي احتلتها القيصرية الروسية بعد حرب ضروس أكلت الأخضر واليابس وأنهكت الإنسان الشركسي ، وأصابت هيكله الديموغرافي بجروح بالغة حتى اضطرت غالبية أهلنا للهجرة ، لتبدأ الدولة الروسية من بعد إلى مصادرة الأرض وتوزيعها على ضباط الجيش الروسي وجنرالاته ، وعلى الأمم المختلفة التي وفدت إلى المنطقة وبشكل خاص من السلاف والقوزاق

1 – لن أدخل في التفصيلات ، فقط للمقارنة : كانت حصة قائد الجيش الروسي في منطقة القفقاس64800 ايكر في حين كانت حصة العائلة الشركسية الممتدة 19 ايكرا ، مع اختلاف نوعية الأرض ، فكانت الأراضي الممتازة تعطى للمحتلين وتعطى الأرض الهامشية أو التي تعرف بالحدّية لأصحاب الأرض الأصليين ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد كان هذا التوزيع غير ثابت ، وكان يعاد النظر فيه كلما زاد عدد السلاف والقوزاق الوافدين ، وفي كل مرّة كان أهل البلاد يدفعون للمناطق الأقل خصوبة ، أو بمعنى آخر كانوا ينزعون الأرض من أهلنا بعد أن يقوموا باستصلاحها ويمنحونها للوافدين ليرحّلوا هم من جديد إلى مناطق قاحلة وغير مستصلحة . ولتبيان الوضع حصل القوزاق مثلا في منطقة بيطالبشنكي على 12019 كيلومتر مربع من أصل الأراضي الصالحة للزراعة ومساحتها 26224 كيلومتر مربع أي على 46% من أراضي الشراكسة ، وحصل الجنرال يفديكيموف على 28782 ايكرا ، وفي مناطق أخرى حصل 300 قوزاقي على أراضي تزيد مساحتها عن مساحة ما خصص ل 4000 عائلة من أهلنا . هذا عدا عن القوانين الجائرة التي كانت تطبّق على أهلنا مثل قانونEkzekutsia التي كان يحق بموجبها للقوى العسكرية احتلال أية قرية والاستيلاء على أراضيها وممتلكات أهلها ، وكان الاحتلال يمتد في بعض الأحيان إلى شهور تستباح فيها القرية .

لعل الظاهرة الايجابية التي شهدتها المنطقة وإن رافقها كثير من التوتر ( تحرير العبيد ) فقد ألهبت كلمة التحرير آمال الفلاحين في شمال القفقاس وزادت التوتر الطبقي فيها . وكان الأرستقراط القبردي الخائفين على ممتلكاتهم في كانون ثاني 1866 على أبواب ثورة مفتوحة عالجتها الدولة الروسية بنفي عدد من الأرستقراط إلى الداخل الروسي ، ثم استجابت لاسترحام عدد من السادة (أنّ حرماننا من عبيدنا وبشكل خاص خدم المنازل سوف يعرّضنا لموقف صعب وسيتسبب في فقرنا ) وذلك بحجة أنّهم استثمروا أموالا طائلة في شراء العبيد فقرّرت الدولة أن يعرض على العبيد شراء حريّتهم بمبالغ يتفاوض عليها بين العبيد وملاكهم ومع هذا لم يبدأ التحرير إلا في أيّار 1866 وذلك بعد أن شهدت المنطقة ثورة عنيفة ، وعلى كل حال أجبر من يريد استرداد حريّته من الذكور على العمل أربع سنوات لصالح سيّده ومن النساء خمس سنوات ، وبشكل عام كانت نتائج التحرير كارثية فقد حطّمت شروط التحرير الصعبة وشراء الحريّات أحوال الفلاحين الاقتصادية وأصبح حالهم أسوا من أيّام العبودية .

أمر الكساندر الثالث سنة 1882م بضم شمال القفقاس لتحسين أحوال الناس فكانت النتيجة أن انتشرت البيروقراطية ، والغريب أنّ إجراءات الدولة التي كانت تدّعي أنّها احتلت المنطقة لنشر الحضارة بين الجبليين أثّرت سلبا على السكان الأصليين ، ولم تحسّن ظروف معيشة الناس فحتى سنة 1913 لم يكن في المنطقة سوى مستشفى واحد ، بل أن السياسة القيصرية سنة 1914 كانت تدفع بالمنطقة إلى أتون الحرب الأهلية فقد بقي موضوع توزيع الأراضي مسألة أساسية ، وتزايد فقر السكان ألأصليين لنقص الأراضي القابلة للزراعة وعدم قدرة الفلاحين الروس على استثمار الأراضي التي منحت لهم فتناقص إنتاج الغذاء بين عامي 1891 – 1913 بنسبة تزيد عن 1500% ، وتزايد التمرّد على سلطة الدولة ، فقد رفضت قرى الشراكسة دفع الضرائب ، واستولى الفلاحون على أراضي الأرستقراط كما تمرّدت الكتائب القبردية في فرقة التيريك – كوبان في تشرين أول 1904 عندما أمرت بالانتقال للجبهة اليابانية ، وسيطرت جماعات من المتمردين على مدينة نالتشك سنة 1905 مدّة شهر.

قامت الدولة بعدّة حملات تأديبية في مناطق القفقاس المختلفة سنة 1906 وألقت القبض على أعداد كبيرة من السكان الأصليين ، وقد أدّى هذا إلى موجة جديدة من الاحتجاجات ، ففي 29/5/ 1913 قام السكان بالزحف على مراعي زولسك وعبر حوالي 3000 محتج نهر مالكا في الأوّل من حزيران للاستيلاء على الأرض بالقوّة ، إلا أنّ قوّة عسكرية ردّ تهم وأجبرتهم على دفع تكاليف القوّة العسكرية؛

وهنا لابدّ لنا من أن نشير إلى أنّ السلطات القيصرية حاولت استخدام التعليم كوسيلة من وسائل صهر شمال القفقاس بالدولة الروسية ، وفتحت مدارس عدّة لتعليم السكان الأصليين ، ونجحت المدارس في تكوين نواة أدبية عند الشباب الشركسي الذين حاولوا رفع مستواهم الأكاديمي وساهموا في نشر التعليم في مجتمعاتهم ، وكانوا من النضج بحيث أسسوا جمعيات للمثقفين الشراكسة وألفوا الكتب ووضعوا قواميس وكان أوّل قاموس هو القاموس الذي وضعه محمد أبزاخ ،هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تصدّى رجالات المؤسسات الإسلامية لجهود الدولة الرامية إلى استخدام التعليم وسيلة لصهر المجتمعات الشركسية في المجتمع الروسي وعملوا على الحيلولة دون انتشار التأثيرات الروسية على أسلوب حياة المجتمعات المحلية ، حتى وصل عدد المدارس الدينية إلى 97 مدرسة مقارنة بعدد المدارس الحكومية الخمسين .

وبشكل عام فشلت الدولة القيصرية في استيعاب القفقاس ، واستخدمت مزيجا من الإجراءات العسكرية والمدنية لإستيعاب هذه الشعوب وطمس هوياتها الوطنية ، وكان هناك نقص واضح في قدرة الدولة على تلبية حاجات أهل القفقاس الاقتصادية وفشلت الدولة في تطوير المنطقة صناعيا كما فشلت في تحسين الأحوال المعيشية ، وعمل سوء توزيع الأراضي على خلق العداءات الاثنية وعلى تأجيج العداءات القديمة كما ولّدت أحقادا جديدة .

العهد البلشفي

لا بدّ لنا من أن نلاحظ أنّ العهد البلشفي كان وبالا على الأمة الشركسية ، فإن احتلت القيصرية الروسية الوطن وانتزعت الإنسان الشركسي من أرضه ومسكنه ، فإنّ البلاشفة دمروا هذا الإنسان من الداخل وعاملوه بكثير من القسوة ، وتتفننوا بإيذائه وعرّضوه للتصفية العرقية ، نعم أقاموا كيانات سياسية للشراكسة ولكنهم عملوا على أن تكون كيانات قزمية .

حاول البلاشفة حل مشكلة توزيع الأراضي في المؤتمر الثاني لمحافظة التيريك في شباط 1921 في فلاديكفكاز ، وهنا تشكلت مصيبة أخرى للأمة الشركسية فبعد أن استولت القيصرية على أراضي الشراكسة بدأت في هذه الفترة عمليات تقزيم الكيانات الشركسية وقضم الأراضي التابعة للأمة الشركسية ، ومنحها للأمم الأخرى ، فمثلا استهداف الجيران أراضي القبردي ، ففي 1921 اقترح الأوسيتين أن تضم قبردا الصغرى لاوسيتيا الشمالية ، ووجد القبردي أن لا نجاة لهم إلا بالمطالبة بالانفصال عن الجمهورية فبدؤوا حملة عنيفة للمطالبة بالاستقلال ولكن مسعاهم فشل ومنحوا بدل الاستقلال محافظة ذات حكم ذاتي ، واشترطت الدولة عليهم إعادة ترسيم حدودها لمصلحة الجيران فخسروا مزدوك التي ضمّت لإقليم ستافروبول ، كما اقتطع من القبردي سنة 1922 / (33866) ايكرا اعطيت للبلقر و (86400 ) ايكرا أعطيت للقرشاي و(17200 ) ايكرا أعطيت لاوسيتيا و ( 2727 ) أعطيت لانجوشيا ،

انشأت محافظة شركيس ( الأديغي ) ذات الحكم الذاتي سنة 1921 وأعيد من بعد تسميتها بمحافظة الأديغي ذات الحكم الذاتي ، وأحيطت بإقليم البحر الأسود ( ومن بعد إقليم كراسندار )من جميع الجهات ، وبطبيعة الحال لم يحل إنشاء المحافظة مشاكل الشراكسة والشابسوغ فأنشأت منطقة (رايون) الشابسوغ الوطنية سنة 1934 ومركزها طوابسه .

لا بدّ من أن نشير هنا إلى تزايد عدد المهجرين إلى الإقليم في هذه الفترة و اكتشفت السلطات أن الإقليم أصبح متخما بالسكان فاختارت التصفية العرقية وتطبيق مبدأ الأمم الخائنة لحل هذه المشكلة ، فقد حضر ستالين مؤتمر فلاديكفكاز 17 /11/ 1918 وأكد على أنّ مصير القوزاق قد حدد ، وهكذا عادت دورة التهجير لتقع هذه المرّة على القوزاق ، بعد أن كانت تقع في الماضي على السكان الأصليين ، استمرّ تهجير القوزاق خلال النصف الأوّل من 1920 وتزايدت الشائعات حول نيّة الحكومة تهجير السلاف فتزايدت الأحقاد على السكان الأصليين ، وخاصة بعد أن فرض الزعماء المحليون في الوحدات ذات الحكم الذاتي ضرائب استهدفت السلاف بشكل خاص ، وعمل السكان الأصليون مستغلين هشاشة وضع السلاف على استعادة أراضي التي كانت ملكا لآبائهم وأجدادهم .

في سنة 1925 عكس البلاشفة قرارهم المتعلق بتهجير القوزاق ولعل أهم أسباب هذا التغير في السياسة الرغبة في زيادة أعداد العمال الصناعيين وخاصة ممن يتقنون اللغة الروسية .

استهدف البلاشفة ابتداء من شباط 1930 أعداء جدد : الإقطاعيين والمؤسسات الإسلامية في شمال القفقاس ففي 1930 رحلت 23000 من أثرياء الأرض والقادة الدينيين من السكان الأصليين و60 عائلة من القبردي وأكثر من 200 عائلة من الأديغي للعمل في مخيمات الأشغال الشاقة في حوض الدون وسيبيريا ، ولا ننسى ما اوقعوه في القرشاي والبلقر والشيشان ابتداءً من العام 1943م ، وهكذا أصبح السكان الأصليون ضحايا من جديد

وهنا لابدّ لنا من أن نشير إلى أنّ تأكيد الشيوعيين على الوطنية ساعد على إنشاء بؤر وطنية حصلت فيها الأيقونة الوطنية على اهتمام واسع ، أي أوسع مما حصلت عليه الجماعات الإثنية الأخرى ، وكان لهذه السياسة أثر واضح على تأسيس وحدات اعتبارية القبردي – الأديغي لكنها سرعان ما تحوّلت إلى إنشاء كيانات ثنائية الاسم فدمجت البلقار مع القبردي في قبردينا – بلقاريا ودمجت القرشاي بالشركس في قرشاي – شركيس ، ولم يخرج عن هذه القاعدة سوى جمهورية الأديغي حيث حصلت الأيقونة الوطنية على كيان خاص بها .

إلا أنّ هذا الإجراء على أهميته أثار كثيرا من التحديّات ، كما تسبب في خلق كثير من المشكلات ارتبطت في مسارها العام بالسياسات المتقلبة للنظام الشيوعي ومنها :

سياسات السوفيت الرامية إلى تصفية القرى الصغيرة وإنشاء التجمعات الكبيرة ( بلدات ومدن ) ، ففي سنة 1960 أزيلت 60 قرية من قرى قرشاي – شركيس مثلا واسكن أهلها في بلدات ( بطبيعة الحال طبّقت نفس السياسة في الأقاليم الأخرى ) وكان في هذا العمل إساءة كبيرة للسكان الأصليين ( الأديغة – الشركس ) فهو يعني أولا : القضاء على القرى الشركسية بأسمائها وكياناتها ، ويعني ثانيا تفريغ المناطق الريفية من سكانها الأصليين ومنح هذه الأراضي للإثنيات الوافدة .

و كانت هذه البلدات تتكوّن من وحدات وكانت العائلات المرحّلة توزّع على هذه الوحدات ، وكانت النتيجة خلط عديب للإثنيات ، فتراجعت الروابط العائلية وهذا أمر مهم في تقرير قوّة السكان الأصليين ، ثم تزايد المشاحنات مع الإثنيات الأخرى ، الأمر الذي ساعد على ظهور الوطنية والانفصالية وخاصة بعد سنة 1980م .

كما أثار هذا العمل حفيظة الإثنيات الوطنية الأخرى مثل النغوي والأباظة والقوزاق وغيرهم من الأمم التي لم تحصل على أيقونات وطنية .

سعى الشوعيون نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي إلى إنشاء منظمة روسية تحاكي الفرانكفونية تشمل شعوب شمال القفقاس تبقي على اللغات المحلية ( القومية ) وتسيّد اللغة الروسية ، بمعنى أن تصبح اللغة الروسية هي اللغة الرسمية أو لغة التفاهم بين الإثنيات المختلفة ، لذا فتحت مدارس تعليم اللغة الروسية في شمال القفقاس سنة 1960 وكانت غايتها إيجاد لغة تفاهم بين غير الروس ، ولكنّها في واقع الحال أضرّت باللغات المحلية ، حيث أصبحت اللغة الروسية بمرور الأيام لغة التفاهم فبدأت بتهديد اللغات المحلية وتراجعها .

ولتنفيذ هذه السياسة أحضرت الدولة أعداد كبيرة من الروس لتولي الوظائف العامة والمهنية والفنية ، فبدأ المدنيون الروس يحلون محل الفلاحين حتى أصبح عدد المهندسين والعمال الفنيين الروس سنة 1989 مساويا لضعف عدد القبردي والبلقر مثلا في جمهورية قبردينا – بلقاريا ، وهذا يعني تدمير الهيكل السكاني للإقليم وتبديله ، فقد تضاعف عدد السكان في قبردينا – بلقاريا من 420000 سنة 1959 إلى 759600 سنة 1989 ووصل عدد الإثنيات التي تسكن الجمهورية إلى أكثر من 60 إثنية.

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى نمت المدن على حساب الريف ( أي انتقل السكان من الريف إلى المدينة تبعا لمجريات الأمور مما ساعد على تفريغ المناطق الريفية من سكانها الأصليين ، حتى أصبح سكان المدن يشكلون ما نسبته 61% سنة 1989 بعد أن كان 40% سنة 1959 وأصبح 43% من القبردي والبلقر يسكنون المدن والبلدات ،

وهنا لا بدّ من أن نشير إلى رايون الشابسوغ ، ففي سنة 1945 أعيدت تسمية مقاطعة الشابسوغ وسمّيت باسم رايون لازاريفسكي تخليدا لذكرى أميرال روسي ساهم في احتلال القفقاس ، كما أعيدت تسمية أعداد كبيرة من القرى والبلدات لطمس هويتها الأصليّة .

بشكل عام وسمت سياسات القمع والترحيل وإعادة الترحيل وإعادة التقسيمات الإدارية التي لا تأخذ مصالح الاثنيات بعين الاعتبار وتسلّط أصحاب الحظوة والسيادة وأصحاب الوظائف العامة والفساد المالي والإداري وتقلّب سياسات الدولة هذه الفترة من تاريخ شمال غرب القفقاس ، فبدا القفقاس أواخر العهد الشيوعي وكأنه أتون قابل للانفجار في أية لحظة ، ولعل انهيار الاتحاد السوفيتي في هذه الفترة كان قدرا تمنى فيه السكان أن يكون القادم خيرا .

فترة ما بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي

ترك انهيار الإتحاد السوفيتي فراغا سياسيا وعقائديا في مناطق عديدة من الإمبراطورية الروسية فتوجهت الوحدات الوطنية في مختلف المناطق ومنها القفقاس إلى الدين الإسلامي كعقيدة ( ايدلوجيا ) خاصة جامعة للسكان ، لذا بدأت أعداد المصلين في التزايد وزادت الرغبة لدى عدد كبير من الشباب لتعلّم الدين في المدارس الدينية المتوفرة كما فتحت المدارس الدينية في مختلف مناطق الوطن العربي وخاصة المغرب وتونس ومصر والأردن وسوريا والسعودية لاستقبال هؤلاء الطلاب ، كما أوفدت كثير من الجهات دعاة لمناطق القفقاس المختلفة ، ومن الواضح أن أكثر هذه الجهات كانت السعودية ومناطق الخليج العربي وذلك للإمكانات المالية الكبيرة لأهالي هذه المناطق ، إلا أنّ هذه النهضة أثارت عددا من المشكلات : منها مشكلات تتعلق بالجماعات الإسلامية ، ومشكلات تتعلق بسياسات الفدرالية الروسية ونظرتها للنهضة الإسلامية وطرق تعاملها معها .

فقد تزايدت الفرقة بين جيل الشباب الذي تعلم أصول الدين من جهة وبين رجالات الدين التقليديين الذين لم يكونوا يتقنون اللغة العربية في الغالب ، وكان معظمهم يعرفون بعض الصلوات بالعربية وقلة منهم من درس لمدة سنتين في معاهد إسلامية في الخارج من جهة أخرى ، وكان التخوّف الأساسي من أنّ هؤلاء الشباب يحملون أفكارا يمكن أن تسيّس الدين ، فبدأت الجماعات التقليدية في محاربة الملات الشباب ومنعهم من التدريس في المساجد ومن التعيين في وظائف فمن بين 138 إماما حاصلين على شهادات دينية عليا في نالتشك لم يعين سوى عشرة في المؤسسات الرسمية ، ومن ناحية أخرى كثرت الجماعات والهيئات الإسلامية بشكل مذهل ففي القرشاي – شركيس كان هناك 73 تجمعا إسلاميا ، وفي نالتشك وصل عدد الهيئات الدينية المسجلة رسميا 100 هيئة . وقد ساعد على ذلك أنّ غالبية السكان الفلاحين بالذات كانت تدعم توسيع دائرة الشريعة في مجالات الحياة العامة ليس كتطبيق عملي للشريعة ولكن كرمز لحل المشكلات القاسية التي عاني منها مسلمو شمال القفقاس بعد انهيار الإتحاد السوفيتي (الجريمة والبطالة وفساد دوائر الدولة)

وهنا لا بدّ لنا من أن نلاحظ أن الجماعات الإسلامية التي وفدت من مناطق الشرق الأوسط كان لها نفوذ واضح في مناطق روسيا الفدرالية بما فيها شمال غرب القفقاس ، فقد نشطت هذه الجماعات في الداغستان منذ بداية الثمانيات ، لذا كان لها عند انهيار الاتحاد السوفيتي بنية تحتية مؤثرة جاهزة ساعدتها على نشر بروبجندا راديكالية .

أما الدولة الروسية فقد عجزت عن فهم مجريات الأمور وتسلّحت بأسلحتها التقليدية : القتل والسحل والاغتيال والسجن والتنكيل ، ولعل السبب يرجع إلى عاملين أساسيين :

أولهما : ركوبها مطية الإرهاب في التعامل مع الجماعات الإسلامية ، فقد نظرت لكل من يرتاد المساجد على أنّه إرهابي وأنّ كل محجبة إرهابية ، وبدا هذا واضحا في كتيّب تعريف الإرهاب الذي وزّعته على الجهات الأمنية فقد جاء فيه تعريف الإرهابي : له لحية ويرتاد المساجد ، وكانت النتيجة عدم التمييز بين المسلم العادي وبين المتطرّف ، وكذلك توغّل السلطات الأمنية على المواطنين : إهانة وتوقيف وسجن ، وكان رجال الأمن يتفاخرون بما يقومون به من تجاوزات بحق المواطنين الآمنين ، وقد ساهمت الصحافة الروسية في تأجيج العواطف ضد المسلمين بنشرها مقالات تحذيرية كاذبة فقد نشر ت الصحف وعلى الأخص صحيفة Top Secret سنة 1998 مقالة ادّعت فيها أنّ الإرهابيين الوهابيين في القرشاي هم الذين نفّذوا تفجيرات موسكو ، وحذت مجموعة من الصحف حذوها كصحيفةCherkesss Nationalisr وأساء المفتون المسؤولون عن الوعظ الديني استعمال هذه المقالات فقد أعلن رئيس دائرة الإفتاء في مقاطعة روستوف سنة 2003 عن طرده أعضاء حركة نور من المقاطعة لترويجهم أفكارا وهابية وذلك على الرغم من أنّ هذه الجماعة لم يكن لها أي علاقة بالوهابية وكانت تتجنّب الخوض في المواضيع السياسية . وكان سبب هذه التصرفات : تقديم أنفسهم للسلطات على أنّهم أدوات مفيدة للدولة وكذلك الترويج لشخوصهم لضمان استمرارهم في وظائفهم .

ثانيا : ظنّت الفدرالية الروسية أنّها قادرة على توحيد المسلمين تحت مظلة واحدة وذلك لاعتقادها أن نجاح الكنيسة الأرتوذكسية في توحيد المسيحيين يمكن اتخاذه دليلا وطريقة في التعامل مع المسلمين ، لذا استخدمت الأسلوب الأرتوذكسي في محاولاتها السيطرة على الشعوب المسلمة ، فعملوا على توظيف مرشدين روحيين ظنوا أن ستكون لهم حظوة ونفوذ في مجتمعاتهم ، ولم تستطع الدولة الروسية أن تدرك أنّ هؤلاء الملات لم يكونوا محبوبين من المواطنين الذين كانوا ينظرون إليهم علي أنّهم ملات السلطان الذين يتنافسون لرضا موسكو .

وبشكل عام تأزم الموقف في قبردينا – بلقاريا عندما حصل تبادل لإطلاق النار في الرابع والعشرين من آب 2003 في قرية باكسان بين رجال الأمن والمجاهدين وانتشرت شائعة بأنّ شامل باسييف موجود في القبردي ، فبدأ المسؤولون في أيلول بإقفال مساجد نالتشك وبقية المساجد في كافة أنحاء الجمهورية وألقي القبض على أكثر من مائة شخص تعرّض غالبيتهم لمعاملة وحشية ، رغم أنّ مثل هذه المعاملات الوحشية كانت مألوفة إلا أنّها لم تصل إلى هذا القدر من القسوة والوحشية وبدأ العنف بالتزايد ، وانقسم الشراكسة فقد كان الأكبر عمرا والعاملون في المؤسسات الإسلامية يثقون بقوى الأمن ، في حين إلتفّ الشباب حول موسى موحازييف الأمير غير الرسمي لمسلمي قبردينا – بلقاريا ، وفي كانون ثاني 2004 هاجم المجاهدون مبنى مكافحة الإرهاب وقتلوا أربعة من قوى الأمن واستولوا على أكثر من 200 قطعتي سلاح ، نسبت العملية لجماعة اليرموك التي كان يقودها باتاييف ، كانت ردّة فعل السلطات عنيفة فقد قامت بعملية تعقّب واسعة شملت كل الجمهوريات الشركسية نشرت الرعب بين الشراكسة ، واعتقلت قوى الأمن أعداد كبيرة منهم على أنّهم وهابيون ، ولم تسلم النساء من التنكيل والإعتقال فقد كنّ يعتقلن لمجرّد أنهن يلبسن الحجاب أو يقرأن القرآن ، واضطر أكثر من 400 شركسي التقدّم بطلب للرئيس بوتين يطلبون فيه السماح لهم بالهجرة من روسيا لتعرّضهم للتمييز والتعصب الديني ، وقد صرّح قائد قوات المتمردين الشيشان عبد الحكيم سادولاييف أنّ الغارة جاءت كردّ فعل على تصرفات الدولة ورجالها التي دفعت المواطنين الآمنين إلى طلب الهجرة من موطنهم الأصلي وأرض آبائهم وأجدادهم خوفا على حياتهم ، تزايد مرض كوكف في هذه الفترة النصف الأول من 2005 فثار صراع على السلطة أنهاه بوتين بتعيين قانكوف إلا أنّ التوتر استمرّ في المنطقة ، واستمر تحرّش رجال الأمن بالمواطنين وفي حوالي الساعة الثامنة والنصف من صباح الثاني عشر من تشرين الأول بدأت الغارة على نالتشك واستمرّت حتى العصر ، حصل خلاف في تقدير عدد المهاجمين فمنهم من قال 400 ومنهم من قال 600 ولكن الواقع أن هؤلاء لم يكونوا مدربين وكانوا يفتقرون للخبرة مما سمح لقوات الأمن بالقضاء عليه في وقت قصير ، إلا أن الجهات الحكومية استثمرت الأمر لصالحها حتى أن وزير الداخلية ادّعى أنّ المعتدين كانوا خططوا للإستيلاء على ناتلشك لمدة شهرين وأن المعتدين كانوا ينوون خطف طائرات للقيام بعمليات انتحارية في موسكو ، وربطت العملية بشكل عام بالإرهابيين والمتطرفين الإسلاميين بالرغم من أنّ غالبية المهاجمين ( الثوار ) كانوا حليقين ، وأنّ كثيرا منهم جاؤوا من عائلات قبردية معروفة ، وأنّ عددا منهم جنّد في الشوارع قبيل الغارة وفي ساعاتها الأولى .

حصل خلاف على مصير الجثت فقد رفضت السلطات تسليم الجثت لعائلات القتلى لدفنهم وفق التقاليد الإسلامية

غمر جوّ من الرعب جمهوريات شمال القفقاس الثلاث نتيجة ردّة فعل السلطات التي قامت بموجة كبيرة من الاعتقالات في كافة أنحاء شمال غرب القفقاس : في قبردينا – بلقاريا وقرشاي شركيس والأديغي وألقي القبض على كل من كان يرتاد المساجد ، وتعرّض عدد كبير من المعتقلين للتعذيب على نطاق واسع وللضرب العلني المبرّح فقد ضرب أحد الضباط إمام مسجد مايكوب روسلان حاكيروف أمام المسجد ،

كان قانكوف عارفا لحقائق الأمور وقد انضم سكرتير اتحاد القوّة الشرقية بوريس ناد زيدين إلى قانكوف في الإقرار بأنّ السبب الحقيقي لمشكلات الجمهورية ليست الوهابية بل فساد السلطة التنفيذية المحلية ، واتّهم قوى الأمن المحلي بالإثارة المتعمّدة للصراع مع شباب الجمهورية عبر الإجراءات العدوانية ضد السكان المسلمين.

و لا يزال القفقاس في الوقت الحاضر كالجمر تحت الرماد ، مشاكله عديدة متنوعة ، منها البطالة والفقر ، وأماني الشعوب التي لا تتحقق ، وسياسة الدولة التي تعرف بالقبضة الحديدية والقهر والتنكيل والقتل والاغتيال واختفاء من يتجرأ على قول كلمة حق ، و إلصاق تهم الإرهاب والانتماء لقوى خارجية تريد تدمير الدولة الروسية هي الطاغية ، فما هي الاتجاهات الرئيسة السائدة الآن :

تغيرت الشعوب غير الروسية في القرن العشرين في جميع المجالات : عدديا وروحيا واقتصاديا … بحيث تصعب محادثتهم من عل أي من مراكز قوّة ، ومحاولة أية جهة التعامل معهم معاملة دونية هي أقصر الطرق للتسبب في الفوضى والحرب الأهلية التي ستكون نتائجها مأساوية ، بهذه الكلمات لخص فاليري دزيدوف وهو من الباحثين الأذكياء والمنطقيين في شمال غرب القفقاس هذه الأيام أسباب فشل الفدرالية الروسية في تحقيق إدارة جيّدة للإقليم ، هذه الإدارة المراوغة التي وقعت على جميع الاتفاقيات الدولية التي لها علاقة بحقوق الإنسان وحقوق القوميات …الخ لكنها لم تنفذ منها ألا ما يمكنها استعماله للدعاية ، وهي في نفس الوقت لا تأخذ بآراء أهل العلم والمتنورين الذين يجمعون على أنّ القفقاس لا يمكن أن يعرف الهدوء والاستقرار ما دامت السلطة الحاكمة : حزب بوتين ومدفيدف ( روسيا الموحدة ) تتطلع إلى إعادة مجد روسيا وتتلمس خطى وأساليب القيصرية وتعيد أمجاد الكنيسة الارتوذكسية تقويّها وتظهرها وتقدّمها في كل مناسبة ، وتعيد تقسيم أقاليم القفقاس الإدارية لتمكين قبضتها الحديدية ، و تعتمد على مشاريع التنمية الاقتصادية المرتبطة بشكل كامل بأولمبياد سوتشي وسيلة لنشر الأمن والاستقرار متجاهلة الأسباب الحقيقية للتوتر :

عدم إنصاف السكان الأصليين للمنطقة وحرمانهم من الحقوق التي نصّت عليها الاتفاقيات الدولية التي وقعتها والمتعلقة أساسا بحقوق الإنسان وحقوق القوميات .

قضايا المختفين : أو الناس الذين اختطفتهم أجهزة الدولة الأمنية ولم يعد يعرف مكانهم ولا مصيرهم وتعداد هؤلاء بالالاف.

قضايا الضرب المبرح والاغتيال والقتل للرموز الوطنية دون تقديمهم للمحاكمة ، وانتم تعرفون أسماء عدد كبير منهم .

وهناك الجماعات القومية الروسية التي تسعى إلى ملاحقة القفقاسيين في المدن الروسية الكبيرة وتعلن حقدها وكراهيتها لهم صراحة ، والذين يعلنون في برامجهم الحزبية عن ضرورة سلخ القفقاس عن الجسم الروسي ، فهذا جرينو فسكي من حزب روسيا الليبرالي الديموقراطي الذي يقول :

الكرملين يحتاج شمال القوقاز لأنّ وجودها داخل روسيا يبرر وجود آلات قمعية ضخمة ، ويقول ( يصرّ التحالف القومي الروسي على تحويل الإتحاد الروسي إلى سلسلة من الدول المستقلة ) وفي مقالة أخرى يقول اليكسي شريباييف (لقد جاء الوقت للاعتراف علانية وبإخلاص عن عدم التوافق العقلي والنفسي للشعب الروسي عن شعوب شمال القفقاس ) ويقول (إن عدم التوافق واضح ، فكم نحتاج من القتلى حتى ندرك هذه الحقيقة (

أما القوزاق فنجد كثيرا من صقور الحكومة المركزية يجادلون في أنّ الدعم الكامل للقوزاق هو السبيل لحل سلسلة المشكلات التي تعاني منها جمهوريات القفقاس ، الأمر الذي شدّ من عزم القوزاق وأصبحوا يؤكدون باستمرار على دورهم في المهمة التاريخية التي أسندت لهم وهي المحافظة على الحدود الجنوبية من غزوات المسلمين ، وقد اتخذت نشاطاتهم دورا شوفينيا متعاليا ، فقد نظم القوزاق في اقليم كراسندار جماعات شبه نظامية تخيف الاثنيات الأخرى وتتحرش بهم وتتعامل معهم بعدائية .

وفي المقابل تسعى الكيانات الوطنية إلى تحقيق آمال الأمة رغم الظروف الصعبة وقيود الحكومة الفدرالية المركزية ، مؤمنة بالأمل ، عارفة أنّه موجود وإن كانت الغيوم تسبب التعثر حينا وتصّعب الوصل إلى الأمل أحيان أخرى، وتبقى قضية تهجير الشراكسة أعظم المسائل إلحاحا وأصعبها على الحل ، يشير الشراكسة إلى التهجير وباستمرار على أنّه إبادة جماعيّة ففي الأوّل من حزيران 2005 أرسل الكونجرس الشركسي طلبا للدوما – مدعوما بأكثر من 500 وثيقة تؤكد ارتكاب القوات القيصرية المذابح والقتل الجماعي – بالاعتراف بالحرب الروسية الشركسية كعمل إبادة جماعية ارتكبها النظام القيصري ، لكن مجلس الدوما ردّ الطلب في 27 كانون ثاني 2006 متعذّرا بأن حقائق الوضع الحالي تتطلب أشكالا جديدة من العمل تنسجم مع الحقوق الكلية للشعوب ، وأنّ من واجب الجميع اليوم البحث عن عامل مشترك يوحّد شعوب الفدرالية الروسية .

يعرف مجلس الدوما أنّ اعترافه بالتهجير على أنّه فعل إبادة سيفتح الأبواب لمطالبات التعويض ، وبإلزامية إعادة التأهيل ( العودة ) لشراكسة الشتات الذين حافظوا على هويتهم القومية والذين لا يزالون يرتبطون وجدانيا بوطنهم الأم ، وبينما تبقى فكرة العودة الجماعية للوطن التاريخي أقرب للخيال ، يقوم شراكسة الوطن بحملات نشطة لتشجيع مثل هذه الهجرات ، ففي الأديغي يعطي الدستور حق المواطنة لكل شركسي يرغب في العودة ، وقد عملوا المستحيل لإعادة شراكسة كوسفو ، وهم الآن يسعون لإعادة عدد من شراكسة سوريا ، والاهتمام هنا ليس الحالة الراهنة فقط ، بل السعي لتوثيق سابقة قانونية تؤكد حق الشراكسة في العودة ، وفي قبردينا بلقاريا وافق البرلمان على وثيقة العودة لتشجيع الشراكسة الذين يعيشون في الشتات للعودة ، وتعمل الحكومة على توسيع دائرة الاتصال بالشتات وتمنحهم عددا كبيرا من المنح الدراسية ، كما قدّم رئيسها الحالي مبالغ كبيرة لدعم تلفزيون نارت والجمعية الخيرية الشركسية في عمّان ، وتبنى فكرة تحمّل نصف قيمة شقة لكل من يرغب في العودة والاستقرار في القبردي .

وتبقى التناقضات الأساسية في وضع الأديغي وسعي اتحادات سلاف وقوزاق الأديغي لحل الجمهورية وضمّها لإقليم كراسندار بالاستناد على قلة الأديغة في الجمهورية مقارنة بالسلاف والقوزاق الذين يمثلون 68% من السكان ، يتشبت الأديغه بأن السبب هو الإبادة والتهجير الظالم لأعداد هائلة من أهلهم ، هذا التهجير والقتل الذي تسبب به أجداد هؤلاء السلاف الذين يطالبون الآن بحلّ الجمهورية ، و يبقى أقليم الشابسوغ غصة في حلق الشراكسة ، فلا يزالون يطالبون بإعادة اسم الشابسوغ للإقليم الذي سمي باسم لازاريفسكي وباتحاده مع جمهورية الأديغي ، وتبقى مشاكل الشراكسة في القرشاي شركيس تتراوح بين الاحتجاج واقتراح الحلول وخاصة تلك التي تنادي بتقسيم الجمهورية خيارا غير قابل للحياة ، وتبقى عناصر عدم الاستقرار ماثلة منها : مطالبات الإثنيات المختلفة باقامة كيانات خاصة بها ،

المكانة المتميزة للإيديولجيات الاسلامية وكثرة الجماعات الإسلامية التي زادت على 73 مجموعة

وبشكل عام تبقى مسألة الاثنيات المتعددة التي زرعت في وطن الشراكسة حتى وصل عدد الإثنيات في جمهورية الأديغ الصغيرة إلى أكثر من 43 إثنية ، منهم الأرمن والألمان واليونانيين وحتى الكوريين الشماليين الذين أصبحوا من مواطني هذا الإقليم . مشكلة كبرى في طريق أيّة تسوية في الإقليم .

وفي النهاية لا بدّ لنا من كلمة ، فنحن لا ندرس التاريخ الشركسي لنكأ الجراح ولا لإثارة النعرات والأحقاد ، بل ندرس تاريخنا لأنّه حق من حقوقنا ككل أمم الأرض ، وإذا كانت الفدرالية الروسية – فدرالية بوتين ومدفيدف وروسيا الموحدة تنادي بأن روسيا بأقاليمها المختلفة عائلة واحدة ، فإننا نقول لربّ العائلة أنّ عليه أن يعدل بين أفراد العائلة ، وأن لا يحابي أفرادا من العائلة على حساب أفراد آخرين ، وأن تتوقّف الدولة عن النظر لأبنائنا على أنّهم أفراد عاقين في العائلة ، وأن تقرّ أنّ لنا الحق وبموجب النواميس العالمية والاتفاقات والمواثيق الدولية التي وقعتها الفدرالية الروسية بالحياة الكريمة وأن نعيش على أرض آبائنا بحريّة ، وأن تستعيد قرانا وبلداتنا أسماءها الشركسية وأن نحي تراثنا وثقافتنا ولغتنا .

نقل عن صفحة “الناجون من الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة” على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك للدكتور نارت قاخون

Share Button

تبدو موسكو بأنها تخسر آخر مؤيّديها في قباردينو – بالكاريا

تبدو موسكو بأنها تخسر آخر مؤيّديها في قباردينو – بالكاريا
نشر موقع  مؤسّسة جيمس تاون الألكتروني على الإنترنت بتاريخ 16 يناير/كانون الثّاني 2012 مقالا للكاتب فاليري دزوتسيف (Valery Dzutsev) بعنوان: “تبدو موسكو بأنها تخسر آخر مؤيديها في قباردينو – بالكاريا“، وجاء فيه:
الناشط الشركسي إبراهيم يغنوف (المصدر: إذاعة أوروبا الحرة / راديو الحرّيّة)
الناشط الشركسي إبراهيم يغنوف (المصدر: إذاعة أوروبا الحرة / راديو الحرّيّة)

 

في مقابلة نشرت في 27 ديسمبر/كانون الأوّل 2011، رئيس المنظّمة الشركسية الخاسة، إبراهيم يغنوف (Ibragim Yaganov)، انتقد الحكومة الرّوسيّة ببالغ القسوة لسياساتها في قباردينو – بالكاريا. يغنوف الذي يوجد مقره في قباردينو – بالكاريا، هو شخصية معروفة شعبياً بين الشركس. وفي مقابلة مع الحاخام الاسرائيلي والمؤلف بموضوع شمال القوقاز، أبراهام شموليفيتش (Avraam Shmulevich)، ذكر يغنوف أن قباردينو – بالكاريا كانت تحت نظام عمليّات مكافحة الإرهاب منذ 13 أكتوبر/تشرين الأوّل، 2005. ووصف يغنوف الوضع الأمني ​​السّيّئ في الجمهورية ذات العدد الأكبرمن السكان الشركس في شمال القوقاز. وقال: “لا يوجد هناك أي مواطن في جمهوريتنا لديه أي ضمانات أمنية، أيا كانت؛ في أي وقت، يمكن أن يأتي أناس وببساطة يقتلوا اي شخص” (http://www.7kanal.com/article.php3?id=286345, December 27, 2011).

في 13 أكتوبر/تشرين الأوّل 2005، ما يقدر بنحو 200 من الشبان المسلمين حملوا السلاح في نالشيك، عاصمة قباردينو – بلكاريا، نالتشك. وبعد قتال قصير ولكن وحشي، قتل معظم المتمردين وألقي القبض على البعض منهم. محاكمة المعتقلين المشاركين في الانتفاضة لا زالت تجري في الجمهورية إلى يومنا هذا (http://kabardino-balkaria.kavkaz-uzel.ru/articles/199184/, January 13). وقد تدهورت الحالة تدريجيا في قباردينو – بالكاريا منذ عام 2005، وبلغت ذروتها في فبراير/شباط 2011 عندما، وبعد سلسلة من الهجمات، فرضت موسكو أخيرا نظام عمليات مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الجمهورية، حيث رفع فقط في الخريف الماضي.

وقال يغنوف: “غالبية السكان لا يميزون بين الجانبين [المتمردين والقوات الحكومية] على أساس أي طرف من هؤلاء يشكل خطر أكبر”. وقال يغنوف: “حتّى يمكنني القول أن الناس يخشون من السلطات أكثر من المتمردين، لأنهم [المتمردين] يلتزمون على الأقل ببعض القواعد”. وقال يغنوف ان السكان المحليين يخشون بشكل خاص الوحدات الأمنية الروسية القادمة من المناطق الأخرى من روسيا والتي تعمل في قباردينو – بالكاريا، لأنها “تتصرف كالمحتلين”. وأضاف يغنوف ان الشرطة في الجمهورية تعمل أيضا على تقليد سلوك الغرباء. “وقال متحدّثاً بصراحة لا لبس فيها، بأن الجميع يعتقد أن كل هذا يأتي من الحكومة الفدرالية الروسية”،قال.”ونتيجة لذلك، وعلى خلفية كل هذا الخوف المتغلغل، لا يمكننا حقا التحدث عن أي نشاط مدني. الناس سعداء بأنّه ليست هناك حرب. لقد رأينا ما حدث في الشيشان، وفي أبخازيا، ولا يوجد أحد هنا يريد تكرار أحداث الشيشان” (http://www.7kanal.com/article.php3?id=286345, December 27, 2011).

 

إذا كانت شهادة يغنوف صحيحة، فهذا يعني أن موسكو تعتمد اعتمادا كبيرا على الخوف كتدبير رئيسي غالب في قباردينو – بالكاريا. في الخلاصة، فذلك يشير إلى أن “النموذج الشيشاني” في الحكم قد ازداد انتشاره في منطقة شمال القوقاز. فبينما يقوم رمضان قديروف في الشيشان بلعب دور الحاكم الذي يرسّخ نظام من نوع خاص لموسكو، وفي الجمهوريات الأخرى، مثل قباردينو – بالكاريا، فإن خدمات الأمن الإتحادية الروسية (FSB) ما زالت تتصرف من تلقاء نفسها. ومع ذلك، فإن مقابلة يغنوف تبين أنه، مع مرور الوقت، من المرجح ان تنمو المشاعر المعادية لروسيا حتى في أماكن خارج الشيشان، وموسكو قد تعود إلى أساليب القيادة الشّبيهة لقيادة قديروف من أجل تحويل الإنتقادات منها إلى زعيم محلي.

 

الحالة الإجتماعية – الإقتصادية في قباردينو – بالكاريا مؤلمة للغاية حيث أنه وفقا ليغنوف، فإن ما يقدر بحوالي 150000 شاباً، من الأشخاص النشطين اقتصاديا كانوا قد انتقلوا إلى مناطق أخرى من روسيا بحثا عن عمل.العدد الكلي للسكان في  قباردينو – بلكاريا هو 90000 نسمة. الروس العرقيين يغادرون الجمهورية بشكل سريع على وجه الخصوص. “كل أولئك الذين يمكن أن يذهبوا إلى مكان ما والقيام بعمل ما فإنّهم يرحلون؛ فقط أولئك الذين لا يستطيعون [إيجاد مكان لهم خارج الجمهورية] يبقونفي المكان”، قال يغنوف (http://www.7kanal.com/article.php3?id=286345, December 27, 2011).

وكان للإنتخابات البرلمانية المخزية التي جرت في روسيا يوم 4 ديسمبر/كانون الأوّل 2011 أصداءاً واسعة في موسكو وعدد قليل من المدن الروسية الأخرى لأنها كشفت الممارسات الخاطئة على نطاق واسع التي اقترفتها الحكومة من خلال تزويرها للإنتخابات. وفي قباردينو – بالكاريا، وفقا ليغنوف، ذهب ما لا يزيد عن 10 في المئة من الناخبين الى صناديق الاقتراع، إلا أن الحكومة زورت على نحو فعال لمصلحة لتصويت لصالح حزب روسيا المتحدة الحاكم. والكرملين من حيث المبدأ ضد الزعماء الّذين يتمتّعون  بشعبية السكان الّذين يحكمونهم “لأنه وبدعم الشعب، فهو [الزعيم] يصبح مستقلاً ذاتياً ويبدأ في الدفاع عن حقوق الناس”، حسبما ذكر الناشط الشركسي. وسلط يغنوف الضّؤ على الانتخابات الّتي جرت في الأراضي الجورجية الانفصالية، أوسيتيا الجنوبية، حيث لم يسمح لزعيمة المعارضة ألا جيوئيفا (Alla Jioeva) الّتي انتُخبت بأغلبيّة شّعبيّة بتولّي القيادة الرّسميّة. وللإبقاء على سيطرتها على السلطة، قد تقدم القيادة الحالية في روسيا على نزاع عسكري آخر، وعلى الأرجح مع جورجيا، توقّع الناشط في المجتمع المدني (http://www.7kanal.com/article.php3?id=286345, December 27, 2011).

في الحرب الجورجية الأبخازية خلال الفترة 1992-1993، كان إبراهيم يغنوف نفسه قائداً لكتيبة، وبالتالي فإن رأيه حول الوضع في أبخازيا يحظى باهتمام كبير. بأسلوب ربّما الأكثر صراحة يصدر في أي وقت مضى من لدن شخص من شمال القوقاز، أكد يغنوف أن الشّباب في أبخازيا مصابون بخيبة أمل عميقة من روسيا، في حين ان أبخازيا لم تحصل على استقلال حقيقي كما وعدت روسيا. بدلا من ذلك، يقارن الشّباب الأبخازي بين روسيا وجورجيا، وعلى نحو متزايد يجدون في الأخيرة نموذجا أكثر قبولا كدولة. والأبخاز يتلقىّون الآن رعايةً أفضل في جورجيا مما هو عليه في روسيا، وفقا ليغنوف، وحتى أولئك الذين قاتلوا ضد القوات الجورجية في حربالأعوام 1992-1993 فقد غيّروا آرائهم جذريا حول جورجيا (http://avrom-caucasus.livejournal.com/144086.html).

حيث تنمو حالة التّحرّر من الوهم بين الناس في قباردينو – بالكاريا، حتى أولئك الذين خدموا يوماً كوكلاء في حروب روسيا الإمبريالية في جنوب القوقاز يرفضون دعم أية تحركاتٍ لموسكو لفترة أطول. ويبدو أن موسكو تفقد آخر مؤيديها في الجمهورية — باستثناء، ربما، فقط أولئك الذين يعملون مباشرة للحكومة المركزية وهم على جدول رواتبها. في حين أن موسكو ما زال لديها بالتأكيد في قباردينو – بالكاريا فسحة للمناورة لا يستهان بها، ويمكن لها أن تحرّك الجماعات المحلية المختلفة ضد بعضها البعض، والاعتماد الشديد على الخوف من المرجح أن يأتي بنتائج عكسية عاجلا أو آجلا، ما لم تنجز إصلاحات سياسية عميقة في شمال القوقاز. لكن كما يتأمل فلاديمير بوتين بالعودة لولاية رئاسية ثالثة، فإن آفاقاً ذات مغزى للإصلاحات في شمال القوقاز وروسيا الفيدراليّة ما زالت ضئيلة وزائلة.

ترجمة:  مجموعة العدالة لشمال القوقاز

Share Button

اذا لم يسعى الشركس لأستعادة حقوقهم المسلوبة، فمن سيفعل ذلك؟

عادل بشقوي:اذا لم يسعى الشركس لأستعادة حقوقهم المسلوبة، فمن سيفعل ذلك؟

adel1

 

ج. ت.: مرحبا عادل،

أشكركم على منحي اللقاء. أولا أود أن إعطي قرائنا بعض المعلومات عنك، مهنتك ونشاطاتك للأمور الشركسية. هل يمكنك أن تخبرنا شيئا عن خلفيتك؟

عادل: شكرا جينال (Jinal) لإتاحة الفرصة لي للتحدث عبر “شركيسيا نت” (“CHERKSSIA.NET“) التي من شأنها أن تجعلني سعيداً للظهور على موقعكم والتحدث عما يجول في خاطري من خلال الإجابة على أسئلتك. لقد ولدت في عمان، الأردن في عائلة شركسية لأب من الشابسوغ (Shapsough) وأم من الحتوقاي (Hatuqwai)، وأنا متزوج وأتشرف بأن أكون أباً وجداً. عملت عدة سنوات في القوات المسلحة الأردنية، وبعدها عملت في مهنة الطيران. بدأت منذ نعومة أظفاري في البحث والتفحص من خلال الرجوع الى الكتب والإستفسار من كبار السن عن أماكن تواجد الشركس، ماذا حصل  للأمة وما هو سبب هذا التشتت. لقد بدأت بالكتابة والترجمة والبحث والتحقّق والنشر عن أمور شركسية وموضوعات أخرى في شمال القوقاز حيث يوجد تشابه بين مصير الشراكسة والشعوب الأخرى في شمال القوقاز. وكان هناك أيضا رغبة لمتابعة الأنشطة على الصعيد الدولي، مما جعلني أحضر مؤتمرين في جامعتي هارفارد و ويليام باترسون في ابريل/نيسان من عام 2008، عندما أتيحت لي الفرصة لإدارة جزء من الحدث الذي اقيم ليوم واحد، وفي جزء آخر كنت قد ألقيت كلمة باللغة العربية بعنوان “شركيسيا الوطن، إلى أين”، واليوم الشركسي في البرلمان الأوروبي في أكتوبر/تشرين الأوّل 2008. وشاركت أيضا في مارس/آذار من عام 2010 في المؤتمر الدولي الأول الذي عقد في تبليسي، جورجيا، بعنوان “الأمم المغيّبة، جرائم دائمة: شمال القوقاز بين الماضي والمستقبل”، وألقيت كلمة بعنوان “شركيسيا وطننا الام“. لقد أتيحت لي الفرصة بتاريخ 20 مايو/أيّار 2011، لحضور جلسة البرلمان الجورجي عندما تم الاعتراف رسميا بالإبادة الجماعية الشركسية من قبل جورجيا. وفيما بين هذا وذاك حضرت بعض النشاطات في الأردن كان من بينها إلقاء كلمة في الجمعية الشركسية في عمان – الفرع الرئيسي حول الفعاليات التي حصلت في جامعة هارفارد في ما يتعلق بالقضية الشركسية، وآخر محاضرة ألقيتها في 20 مايو/أيّار من عام 2009 ، بعنوان “الحراك الشركسي بين شمال القوقاز والشتات“، والتي أعطيت باللغة العربية ولكن ترجمت أيضا إلى اللغة الإنكليزية.

ج. ت.: أنت ناشط في الأردن. ما هي الموضوعات التي تعمل عليها؟

عادل: عندما يسمح لي الوقت، أحضر بعض الأنشطة التي تعقد في الجمعية، ولهذا السبب فإن نشاطي محدود في هذا المستوى؛ ولكن أحاول قدر الإمكان متابعة ما يجري، وبودي أن أنصح الشركس دائماً بإعطاء الأهمية اللازمة تجاه الحفاظ على الذات والذي هو البند الأول من ناموس الطبيعة.

ج. ت.: ماذا يمكنك أن تخبرنا عن حالة الشتات الشركسي في الأردن؟ كيف تعيشون هناك؟ ما هي الأهداف الرئيسية ونتائجها للشراكسة هناك؟

عادل: يحظى الشراكسة باحترام كبير في الأردن كجالية متميزة بسبب دورها الإيجابي والمتفاني في الحياة الاجتماعية واليومية للبلاد ، حيث أنهم شاركوا في تأسيس الأردن الحديث منذ وصول العاهل الأردني إلى الأردن من الحجاز، الذي تم الترحيب به وتأييده من قبل الشركس والأردنيين الآخرين كذلك. والشركس منفتحون على الآخرين، وهم ليسوا إنطوائيون، فهم نشيطون في جميع مناحي الحياة وهم يحافظون على خصوصيتهم وتميزهم كأقلية معترف بها. والشركس معروفون جيدا بين الأردنيين بمزايا الصدق والإخلاص والولاء والمصداقية، وهناك أيضا إحترام متبادل وثقة مع جميع فصائل المجتمع الأردني. وكونهم يقيمون في الأردن منذ أكثر من 140 عاما، فإن الشركس متفاعلين مع البيئة التي وجدوا أنفسهم بها بعد ان اضطروا الى مغادرة وطنهم، حيث أن الأغلبية منهم منهمكون في الحصول على حياة كريمة وفي تعليم أبنائهم، في حين يؤكدون حقيقة أنهم شراكسة فخورون، وفي نفس الوقت يتوقون للحصول على ارتباط بالوطن الأم ولكن مع اختلاف بالعمق والأساليب والأولويات.

ج. ت.: هل هناك أي دعم من طرف الحكومة تجاه الشركس؟

عادل: وفقا للدستور الاردني فإن جميع المواطنين متساوون أمام القانون، وبالتالي يحصل الشركس على حقوقهم بالأسلوب الذي ينبغي اتباعة من قبل الآخرين وهم يحصلون على الفوائد التي يتمتع بها المواطنين الأردنيين والذي يتجلى من خلال السماح للشركس بالعمل في الحكومة والجيش، وكان الشركس قد وصلوا إلى أعلى المناصب الرسمية مثل مناصب رئيس الوزراء والوزراء والأعيان وأعضاء البرلمان والقضاة وكبار الضباط في القوات المسلحة والأمن العام ودائرة المخابرات.

ج. ت.: في العشرين من مايو/أيار من هذا العام، أكّد البرلمان الجورجي أن روسيا القيصرية اقترفت جرائم ضد الإنسانية بحق الأمة الشركسية — الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الفائق. ما هو رأيك في هذا الاستنتاج؟ ماذا يعني ذلك بالنسبة لمستقبل أمتنا؟

عادل: الشركس لم يتخلوا عن الأمل، لأن الأمل ينبع على نحوٍ سرمدي. وكان لي شرف حضور ومشاهدة هذا الحدث الهام في البرلمان الجورجي. لقد لاحظت ممثلي الشعب الجورجي يعلّقون على مشروع القرار وبعد ذلك أعضاء البرلمان يصوتون بالأغلبية المطلقة من الأعضاء الحاضرين على الاعتراف بِ “الابادة الجماعية الشركسية والتطهير العرقي” اللذان ارتكبا ضد الأمة الشركسية من قبل الإمبراطورية القيصرية الروسية في القرن التاسع عشر. والنّتيجة لم يسبق لها مثيل، وهي الاعتراف الأبرز و / أو المكسب إلإيجابي الذي حظيت بها الأمة الشركسية في أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الروسية-الشركسية (القوقازية)  التي انتهت في 21 مايو/أيار من عام 1864، والتي ستفتح أبواب مغلقة من أجل استرداد حقوق الشركس. فالحقيقة سوف تسود.

ج. ت.: أنت كنت هناك في تبليسي. ماذا حدث هناك؟ ما هو أسلوب التعامل الذي تنتهجه جورجيا نحو الشركس ونحو إبادتنا الجماعية؟ هل تعتقد انهم يريدون فقط تمرير سياساتهم معنا واستخدامنا لمصلحتهم؟

عادل: هذا صحيح، لحسن الحظ اني كنت هناك لمراقبة حدث هام من شأنه أن يؤثر على حل القضية الشركسية في وقت لاحق. وقد أظهرت الأمة الجورجية باعتبارها إحدى دول القوقاز وعضو في الأمم المتحدة موقف معقول ودرجة من المسؤولية الأخلاقية بالكشف عن دليل موثّق دامغ والمقدم من لجان متخصصة وعلماء ومؤرخين  ومؤسسات أكاديمية وأساتذة جامعات وخبراء من العديد من البلدان حتى من روسيا، وكانت هذه الأطراف قد قدمت شهاداتها في مراحل سابقة إلى لجان البرلمان المختصة حول النتائج العلمية، الأمر الذي جعل اللجان تتوصل إلى مشروع قرار من أجل تقديمه إلى البرلمان للتصويت عليه، والذي حصل وأحيط العالم علما بأن الشركس قد تعرضوا للإضطّهاد وتعرضوا لأعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بكل تبعاته، بناءاً على أدلة لا يمكن دحضها. كل ذلك أظهر استعداد جورجي للاعتراف بالظلم الّذي عانى منه الشركس، “القدوة الحسنة خير من العظة”. الشراكسة ليسوا من السذاجة بأن ينظروا إلى الحقائق من زاوية مختلفة عما هي عليه في الواقع. هناك مصالح متبادلة بين الشعوب والأمم، كلٌ يعمل على ضمان حقوقه الأساسية في الحرية والكرامة الإنسانية. عندما يعرف الشراكسة ماذا يريدون، بالتالي يستطيعون التمييز بين الخير والشر، فإنّهم سيكونوا قادرين على رؤية وتحديد المسار واختيار الطريق الذي يجعلهم يتخذون ما هو مناسب لهم، وترك ما هو خاطئٍ ومؤذٍ. ينبغي أن يكون مبدأ المعاملة بالمثل هو الغالب. وأود أن أعلق على الشكوك في هذا الصدد بالقول: ليس هناك أحد أشد عمى ولا أشد صمماً من أولئك الذين لا يريدون أن يروا أو أن يسمعوا.

لا توجد هناك وسيلة بأن يتمكن الجناة من خلالها أن يفلتوا من العقوبة على الجرائم المرتكبة ضد الأمة الشركسية والإنسانية. هذا هو القانون وهذا هو واجب أخلاقي تجاه الحضارة، وأنّه لن تمر أية جريمة دون عقاب و / أو من دون مساءلة.

ج. ت.: هناك العديد من المنظمات الشركسية، مثل اتّحاد الجمعيّات القفقاسيّة (KAF-FED) ومنتدى القفقاس (Kafkasya Forumu) والمنظمة الشركسية الأكبر في أوروبا – (FDTKV) وغيرها، الذين هم ضد هذه النتيجة، أو على الأقل تحاول أن تتجاهلها. ما رأيك في هذا؟

عادل: إن الوجود في المنفى بعيدا عن الوطن ليس بخطيئة، ولكن تناسي الوطن هو شر مستطير. فيما يتعلّق بكافّة الجمعيات والمنظمات التي تدعى إما شركسيّة أو قوقازيّة، فإن القاعدة أو المسألة الأهم ينبغي أن تكون في مدى جدية وفعالية هذه الأطراف خاصة في خدمة الإهتمامات الجوهرية الحقيقية “للشّركس الأديغه” واعتماد وتنفيذ إلتزامات مصيرية؛ لكن يبرز التساؤل حول ما هي المبادئ التي نشأت تلك المنظمات والجمعيات من أجلها! هل هي أهداف رياضية أو ثقافية أو إجتماعية أو تجارية أو مهنية أو متعدّدة الأعراق أو وطنية؟ ويميل الناس للحديث في موضوعات إهتمامهم أو تخصّصهم. الجواب سيحدد التخصص، وبالتالي فمن الممكن الحكم على ذلك، ويجب عليهم أن يمارسوا ما يبشّرون به.

إن “الشّركس الأديغه” الحقيقيين هم الذين من المفترض أن يعطوا رأيهم، لأنهم هم الضحايا الحقيقيّين للأعمال العدائية التي أفضت إلى الإبعاد والنّفي بعيدا عن الوطن الأم. أعتقد أن الجواب عمّن مع أو عمّن ضد النّتيجة المتمثّلة بالإعتراف بالإبادة الجماعية لا يمكن الإجابة عليها من دون نهج علمي حقيقي في البحث،  لكنها غائبة عن أذهان البعض لأن “المياه الهادئة عميقة الغور”! وينبغي على “الشركس الأديغة” الذين هم ليسوا تحت تأثير “الأنا الذّاتيّة” أو أطراف أخرى غير شركسية أن يعقدوا مؤتمراً منظّماً أو أنشطة موازية لتغطية جميع الموضوعات التي تتعلق بالشّراكسة، وبالتالي فإنّهم سوف يخرجوا بالقرار الشركسي الحقيقي. وفي نهاية المطاف فإنّ ما هو مفيد للشركس سوف يبقى وما هو سيء سينتهي. كبادرة طيّبة تجاه الأمة الشركسية أعلنت جورجيا اعتماد مشروع لتخليد ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية للشركس، التي نفذت من قبل الإمبراطورية الروسية، وعلى أساسها فإن الحكومة الجورجية ستصيغ خطة لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعيّة الشركسيّة وستتألّف الخطّة من إنشاء نصب تذكاري للضّحايا.

أي طرف مرحب به للاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية حتى روسيا نفسها.

ج. ت.: هنا في ألمانيا سمعنا كثيرا عبارات مثل:

“إذا أردت ممارسة السياسة، يجدر بك الذهاب إلى الوطن وممارستها هناك، ولكن ليس هنا، حيث تجلس في مكانك الدافئ والآمن”!

“إذا بدأنا العمل بالسياسة هنا، فإن أخواتنا وإخواننا في الوطن سوف يعانوا نتيجة لذلك، لذا يجب أن تهدئوا!”

“يجب ألا نفعل شيئا يغضب روسيا؛ وإلا فأنها سوف توقف قدرتنا على الاتصال بالوطن”!

“لا يمكن لجمعيّاتنا ممارسة السياسة، لأنّنا أسّسْناها لمجرد الحفاظ على ثقافتنا، وأنه ضد قوانين ألمانيا القيام بعمل سياسي مع هكذا منظمات”! (وهو غير صحيح)!

او انهم يتلاعبون بالتصويت في الجمعيات، من أجل عرقلة مناقشات سياسية مفتوحة. (وهو ضد القانون الديمقراطي في ألمانيا)!

من وجهة نظري، المعنى الأعمق لهذه الاقوال والافعال هو فقط، لإبقائنا صامتين وغير فاعلين وللإبقاء على أجيالنا الناشئة بلهاء فيما يتعلق بالسياسة. ما هو رأيك في ذلك؟ هل لديكم تجارب مماثلة في جمعيّاتكم هناك؟

عادل: كونهم بعيدين عن الوطن الأم لأكثر من 147 عاما لم يجعل الشركس ينسون وطنهم الغالي. إذا نظرنا إلى حضارات وأمم بائدة، وقارنّاها بأمتنا، فإننا نجد أن جذور تاريخ أمتنا ضاربة في التاريخ البشري لأكثر من 6000 عام، وبتعرض الأمة الشركسية لظروف كارثية وخطيرة من الاضطهاد، والإبادة الجماعية، والطرد والترحيل، والقمع والتّنكّر بالإضافة إلى تدمير تراثها الثقافي لم يبيد الأمة الشركسية، ولكن على العكس من ذلك، لا يزال الشراكسة اكثر تصميما على الحفاظ على هويتهم المتميّزة والتمسك بثقافتهم الفريد من نوعها، وكذلك القيم، والعادات، والتقاليد والأخلاق، والتي تميزهم عن الآخرين، ويعطي الأمل لأن الله سبحانه وتعالى يساعد أولئك الذين يساعدون أنفسهم.

في بعض الاحيان “الكلام من فضّة، لكن السكوت من ذهب”. وقد ذكرني سؤالك لي بتعبير للسيد بول غوبل (Paul Goble) حيث قال خلال حدث عن الشركس جرى في جامعة هارفارد في شهر ابريل/نيسان من عام 2008، إنه استنادا إلى وقائع تذكر من الحقبة السوفياتية والتي ترتبط في البولنديين ومواطني جمهوريات البلطيق في ذلك الحين، فإن قوة الشركس تكمن في عدد الشركس الذين يعيشون في المنفى (90 ٪ يعيشون خارج الوطن) والذي يتيح لهم حرية الحركة من حيث حجم الضغط الممارس على أولئك الذين يعيشون في الوطن.

ينبغي على أولئك الذين يصدرون الشائعات والذين يحاولون تهبيط المعنويات أن يعلموا بأن المكاسب غير المشروعة لا تثمر أبداً وأن سياسة الإستقواء التي يعتمدونها لن تنجح. المواطن الصالح يخدم بلده أينما يحيا وأينما يعيش، طالما أن الوطن الأم لم ينسى، والمحافظة على الهوية الوطنية هي البوصلة الحقيقية لاستكشاف وارتياد الطريق الذي يؤدي إلى الأهداف.

بغض النظر عما يحدث في الشتات، فكيف يمكن أن يجعل ذلك إخواننا وأخواتنا يعانون في الوطن، في حين أن الاحتلال قد ارتكب بالفعل الإبادة الجماعية وأبعد 90 ٪ من الشراكسة في ظروف صعبة ومأساوية وقام بتوطين مستوطنين من أصول مختلفة بدلا من الشركس الذين تم اقتلاعهم من وطنهم الأم، وتم حذف شركيسيا تماما من الخارطة، والعشرة بالمئة المتبقّين في شمال القوقاز تمت بعثرتهم في جمهوريات مختلفة ذات حكم ذاتي وفي بعض الجيوب الأخرى.

إن روسيا تنظر إلى مصالحها الخاصة، وإذا لم يسعى الشركس لاستعادة حقوقهم المصادرة، فمن سيقوم بذلك إذن؟ روسيا تريد أن تبقي الشركس أينما كانوا من خلال وعود وتأكيدات غامضة وفارغة من المحتوى. كيف يمكننا أن نجلد أنفسنا ونتجاهل حقوقنا من أجل سراب من “حسن النية المفترض” لأحفاد أولئك الذين ارتكبوا الأعمال العدائية ضد الأمة الشركسية من خلال إيذاء الأمة بعقوبات مشددة أثّرت على وجودها وحاضرها ومستقبلها.

ليس عليك أن تشارك في السياسية للمطالبة بحقك في مجرّد وجودك! لا يطلب من الجمعيّات بإعلان دولة أو وجود سياسي أو إعلان حرب ضد أي كان. يجب أن يُبدو بعض الاحترام لأجدادهم الذين لقوا حتفهم بأسلحة الغدر. فكوننا شراكسة لا يعني أننا أعضاء في نادي للرقص الدولي، أو الرياضة أو نادي إجتماعي. إنّه لأعمق من ذلك بكثير. الثقافة هي جزء من العناصر المتكاملة التي من شأنها أن تشكل أمة أو شعب.

والتلاعب في التصويت سينتهي يوماً عندما تستعيد المؤسسات المختطفة وضعها ويوقف الإنتهازيّون ألعابهم القبيحة في التزوير، ومثال جيد على ذلك هو ما يسمى الآن بِ “الربيع العربي” عندما نرى أنه تم تجاهل الشعوب والأمم لعقود وكان تزوير الانتخابات هو العامل المشترك، وكان المعمول به إساءة استعمال السلطة ولم تحترم حقوق الشعوب؛ ولكن عندما استيقظت الشعوب، وفي وقت قياسي قصير تغيّرت الأحوال تماما.

الناس لا تسمع من شخص صامت، وفي الوقت نفسه “المتسولون لا يملكون حق الإختيار”. عندما يطالب الشراكسة باستعادة حقوقهم المشروعة، يجب أن يفعلوا ذلك بشكل مناسب، وأن يُوجّه ذلك إلى الجانب الملائم الذي يمكن القيام به بطريقة غير عنيفة وسلمية والذي بحد ذاته يعكس المستوى الحضاري الذي وصل إليه الشركس حتى خلال الحروب الدفاعية الّتي كان عليهم أن يخوضوها للدفاع عن وجودهم حيث كانوا روادا في إثراء ثقافات الآخرين. يجب أن يتحد الناس لأن “في الإتحاد قوة”.

ج. ت.: ما هو موقفك تجاه الجمعيّة الشركسية العالميّة (ICA)؟ هناك بعض المنظمات التي لا ترتجي أملاً من الجمعيّة الشركسية العالميّة وليست طرفاً فيها؟ فماذا يجب عليهم فعله، من أجل تعزيز سياساتهم؟

عادل: لسوء الحظ فإن للشركس تجربة سيئة مع الجمعيّة الشركسية العالميّة في الشكل الذي تم فيه نقل الجمعية والإبقاء عليها في نالتشيك بعدما كانت قد اعتُبِرَتْ ملاذا وعقد عليها الناس آمالاً كباراً والّذي كان يعني أملاً لكافّة الشراكسة في جميع أنحاء العالم. أمّا المنظمات التي لا تأمل خيراً من الجمعيّة الشركسية العالميّة والّتي هي ليست طرفاً فيها كما ذكرت في سؤالك، فهي في معظمها في تعارض واضح مع سياساتها الحالية وأهدافها. حيث يتوجب عليها الإلتقاء بصورة فردية وجماعية ومراجعة العواقب الوخيمة التي حلّت بالشركس التي أعقبت عملية الإبادة الجماعية والهجرة الجماعية لغالبية الأمة، والإتصال بالجمهور الشركسي لنشر وتعميم المعلومات وشرح المهمة والوسيلة الضرورية لاعتمادها، حتى تكون قادرة على بناء برنامج وخطة وطنية شركسية من أجل مخاطبة العالم، بدءا من جمهوريات القوقاز، إلى الاتحاد الأوروبّي وحتّى الفيدراليّة الرّوسيّة بطريقة حضارية لطلب الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية ولإنهاء كافّة الأعمال العدائية ضد الأمة الشركسية. وبالإضافة إلى الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية، فإن روسيا ملزمة بتقديم الإعتذار والتعويض وحق العودة، وضمان الحقوق المشروعة في تقرير المصير على أرض الوطن.

ج. ت.: كيف ترون الشتات في الاردن في الحركة السياسية الشركسية في مختلف أنحاء العالم؟ ماذا يمكن أن يساهم ذلك في المجموع؟

عادل: من وجهة نظري، هناك اتصال بين الشتات في الأردن والحركة السياسية الشركسية في العالم على أسس فردية، وبصرف النظر عن الارتباط العضوي بين الجمعية الشركسية الرئيسية في الأردن والجمعيّة الشركسية العالميّة، والتي هي على اتصال مباشر وفقا للقواعد التي تتعلق بالإتصال المستمر ويرجع ذلك لحقيقة العضويّة المعروفة جيدا. ومن الجدير بالذكر أن الشركس في الأردن تظاهروا للمرة الأولى على الإطلاق أمام السفارة الروسية في عمان، الأردن، في 21 مايو/أيّار 2011، ورفعوا لافتات بحيث كانت مشابهة للافتات رفعت في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، مثل “لا لسوتشي 2014، سوتشي أرض الابادة الجماعية الشركسية”.

ج. ت.: وماذا عن أولئك الذين يعيشون في أوروبا؟

عادل: من الواضح أن الشركس الذين يعيشون في أوروبا يختبرون سقفاً عالياً من الحرية وحرية التحرك؛ ولكن ليس هناك نتيجة ملموسة وايجابية لفعالياتهم فيما يتعلق بالأمور الشركسية، وعلى الأرجح نظرا لكثرة عدد الجمعيات و المنظمات، إلى جانب اتصالاتهم وولائهم لتلك القائمة في بلدان أخرى نشأت بها لا سيّما في تركيا. فالتماسك بين الجمعيات يساهم قي تقوية المجتمعات الشركسية ومن شأنه أن يعزز الوعي للاتّصال بكافّة فروع الإتحاد الاوروبي وخصوصا المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والبرلمان الأوروبي والمحكمة الأوروبية العليا، بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية. من شأن ذلك أن يؤدي إلى ارتياد آفاق جديدة من أجل شرح القضية الشركسية وجميع المسائل المتعلقة بها إلى أغلبية لم تسمع بها من قبل. وينبغي للشركس واصدقائهم في أوروبا أن يحشدوا جهودهم لمعارضة دورة الألعاب الاولمبية الشتوية في سوتشي لعام 2014 والتي تهدف إلى محو الذاكرة عما كانت تعنيه سوتشي عندما كانت آخر عاصمة لشركيسيا.

وأحلك الساعات تلك التي تسبق الفجر.

ج. ت.: شكرا جزيلا لك، لتبادل وجهات نظرك معنا.

عادل: عفواً وعلى الرحب والسّعة.

 

ملاحظه: أرسل لنا عادل بشقوي كامل ترجمة المقابلة باللغة العربية والتي أجراها معه جينال تامزوقو لنشرها على موقع راديو أديغا.

نقل عن: راديو أديغا

Share Button