قيل وسيقال الكثير عن الذكرى المائة والخمسون لذكرى “الإبادة الجماعية” الشّركسيّة على أيدي القوات الروسية والّتي ستذكر في عام 2014 حيث من المقرر أن يكون موقع القتل الجماعي مكاناً لانعقاد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. لكن هذا الأسبوع يصادف ما لا يقل أهمّيّة عن ذلك، سياسيا إن لم يكن أخلاقيا، سواء بالنسبة للشركس أو للرّوس- الذكرى 250 من استمرار مقاومة الأمة الشّركسيّة للعدوان الرّوسي في شمال القوقاز.
في 28 يوليو/تموز 1763، عبرت وحدة عسكرية روسية إلى إقليم الإمارة السيادية قباردا الكبرى، أكبر ولاية من ولايات الأمة الشركسية حتى ذلك الوقت. على مدى السنوات 101 اللاحقة، قاوم الشركس خلالها غزو الجيش الروسي الأكبر بكثير منهم، ومكتسبين احترام القادة الروس باعتبارهم أحد اشد الخصوم مهابة كان أي واحد منهم قد واجه في أي وقت مضى. ذلك القتال الّذي دام 101 سنة، لفترة أطول بكثير من المقاومة المعروفة على نطاق أوسع للإمام شامل، ومع ذلك، لم تنته إلا عندما دمر المسؤولون في العهد القيصري الدولة الشركسية وقتلوا أو طردوا معظم أفراد تلك القوميّة (hekupsa.com/istoriya/istoriya-cherkesii/1071-k-250-letiyu-nachala-agressii-rossijskoj-imperii-protiv-cherkessii).
لأكثر من قرن من الزمان، انشغل الشراكسة في مقاومة عسكرية فعّالة، وهي أطول مقاومة بذلت من قبل أي شعب واجهتها الدولة الروسية في أي وقت مضى في جهودها من أجل توسيع رقعة الإمبراطورية. حتى يومنا هذا، يدرك المؤرخون الرّوس أن هذه المقاومة كانت أصعب بكثير بالنسبة للقوات الروسية في التغلب عليها من أيٍ من الآخرين، في شمال القوقاز أو أي مكان آخر. لكن ما لم يتم الإعتراف به دائما سواء في روسيا أو بين الشراكسة هو أن المقاومة الصّلبة ضد السّلطات الرّوسيّة تواصلت بعد عام 1864 بوقت طويل، سواء في الإمبراطورية الروسية أو في الدول التي ورثتها، وكذلك في الخارج.
عندما قاربت الإمبراطورية الروسية من إنهيارها النهائي، كان الشراكسة بين هؤلاء الذين حافظوا على قدرتهم المنظمة لمقاومة كل من تعسف الدولة والانهيار. وكان الفوج الشركسي في الفرقة البرّيّة للجيش الإمبراطوري الّذي كان قادراً على تغيير اتّجاه ثورة عام 1917، حيث أن أعضائها لم يتم تشجيعهم من قبل المناشفة (الأقليّة) الجورجيّين على وقف قتال الديمقراطيّة الرّوسيّة على مرتفعات بولكوفو خارج بتروغراد والعودة إلى القوقاز لمواصلة استعادة دولتهم القوميّة الخاصة بهم. وكانت الوحدات الشركسية الساعية لتحقيق ذلك الهدف الّتي عرقلت جهود جنرال الجيش الأبيض انطون دينيكين لإخضاع القوقاز لروسيا، “واحدة لا تتجزأ”.
خلال الحرب الأهلية الروسية، كان الشراكسة أكثر القوات جدارة بالثّقة في جمهورية الجبليّين الّتي لم تدم طويلا (1917-1920)، وحتى بعد ذلك فإن المنطقة تم إخضاعها من قبل البلاشفة والجيش الأحمر الحادي عشر، واستمروا في المقاومة، مجبرين موسكو على تقديم تنازلات، بما في ذلك تقسيم الأمة الشركسية إلى مجموعات مختلفة أكثر عما كان عليه الحال في أي مجتمع عرقي آخر تحت الحكم السوفياتي. وكان التزامهم الراسخ نحو امتهم طوال الفترة السوفياتية أمراً اعترف به الكتاب من ألكسندر سولجينيتسين فصاعدا حتى عندما لم تفعل ذلك الوثائق الرّسميّة السوفياتية.
حتّى أكثر أهمية للحاضر والمستقبل، ظل الشركس الذين طردوا من وطنهم من قبل الروس بعد 101 عاما من المقاومة أوفياءاً لتقاليدهم العسكرية والأمنية، وأصبحوا من كبار الضباط في الدولة العثمانية والدول الّتي خلفتتها، بما في ذلك تركيا ، لبنان وسوريا، من بين آخرين. إن التزامهم بالفضائل الّذي أتاح للشركس مقاومة المرحلة النشطة من الفترة بين 1763 حتى عام 1864 وأكثر من ذلك بشكل متقطع في السنوات التي تلت ذلك الوقت يعني أن الآمال الروسية في تدمير الشراكسة من خلال الطرد الوحشي لعام 1864 لم يتحقق مطلقاً.
ذلك هو الآخر، والأقل ملاحظة، جزءا من الذكرى السنوية لهذا العام. الدولة الروسية والأمة الروسية لم يواجها أبداً خصماً أكثر تصميما من الشراكسة. شعوب أخرى، بما في ذلك في البلطيق، والشيشان، والبولنديين، على وجه الخصوص، يتم الاحتفال أو إنتقادهم في روسيا لمقاومتهم. لكن المقاومة الشركسية كانت قوية جدا وطويلة الأمد إلى حدٍ بعيد بحيث أن في هذه الذكرى كما في العام المقبل، لا يمكن الروس والدولة الروسية الاعتراف بما قام به الشراكسة.
للقيام بذلك سيكون الاعتراف بأن المشروع الإمبريالي الروسي محكوم عليه بالفشل – أن هناك شعب واحد على الأقل، لكنّه ضحية نتيجة لعدوان عسكري وطرد يرقى للإبادة الجماعية، حيث أظهر نفسه بأنّه على استعداد للتضحية الذّاتيّة باسم الحرية وتقرير المصير القومي. تلك الأمة هي الشراكسة، شعب كثير من الناس في الغرب لا يعرفون عنه سوى القليل أو لا شيء.
لكن من الآن وحتى الافتتاح المقرر للأولمبياد في سوتشي، حيث لاقى الكثير من أسلاف ما يقرب من 6 ملايين شركسي في العالم حتفهم، وأكثر من أي وقت مضى حول العالم سيعلمون المزيد عن هذه الأمّة. ربما يعتقد الحكام في الكرملين أنه يتعيّن أن يتمالكهم القلق بشأن التعامل مع الأحداث في السنة الأولى، لكن في الواقع، فإنهم يواجهون في نهاية المطاف تهديدا أكثر خطورة في السّنة لثانية.