أبعاد رد مجلس الدوما الروسي على عودة الشراكسة إلى الوطن الأم
تقديم: عادل بشقوي.
يتضح ومع اشتداد المعارك بين أطراف الحرب القائمة في سوريا منذ سنتين والتي أثرت على كل مناحي الحياة وعلى كافّة فئات الشعب السّوري، تعرض الشّراكسة المقيمين في سوريا والّذين ابعدوا عن وطنهم الأصلي في شمال القوقاز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لتداعيات اشتداد المعارك وامتدادها إلى مناطق إقامتهم، كما إلى كافة أرجاء سوريا، والتعرض لمخاطر القتل والتشريد واستنزاف مقدرات المواطنين وسط عدم إمكانيّة التوصل إلى نتائج تؤدّي إلى إنهاء النزاع المسلح بين أطراف النزاع على المدى المنظور. ومن اجل حل أي مشكلة يجب تحديد ماهيتها وتحليل وضعها المتأزم ومن ثم بحث الحلول والبدائل التي تقدم فسحة من الامل.
ولدى تنامي رغبة الشّراكسة السوريّين واقتضاء عودتهم إلى وطن الأجداد في هذه الظروف الصّعبة، ونتيجة لمعاناتهم الإنسانيّة (http://rt.com/news/syrian-refugees-russia-kevorkova-751/)، وللضرورة الملحة في الإنتقال إلى مكان آمن يقيهم شر أتون الحرب الأهلية القائمة في سوريا الآن، وتأثيراتها السّلبيّة على العيش الكريم حاضراً ومستقبلاً ومراعاة لكل التوقعات بأن مستقبلا مظلماً ينتظرهم وينتظر أبناءهم، برزت المحاولات الجدّيّة للشركس المقيمين في سوريا، للنزوح عن ساحة الحرب القائمة.
تمكن عدة مئات منهم النزوح والوصول إلى مدينتي نالتشيك ومايكوب، إلا أن الجميع تفاجأ من قرار السلطات الروسيّة وقف منح تأشيرات لسفر العائلات عائدين إلى الوطن، وبدى الموقف متأزّما ومثيراً للشك والريبة، خاصة وأن القرار الرسمي الروسي جاء في وقت حرج، ولم يعطي هؤلاء الّذين تقطّعت بهم السّبل وسط الصراع المسلح المستعر اي متّسَع من الوقت أو مساحة معقولة للتحرك لمحدودية الخيارات المتاحة في هذا الوقت العصيب.
أعاق حرّيّة عودة الشراكسة الى وطنهم حتى نهاية القرن العشرين قوانين الدولة السوفياتية الصارمة، ووجود الستار الحديدي بالمعنى الفعلي المستبد للمصطلح، وقد استمر هذا الستار الذي أسّسَهُ وأدامهُ الاتحاد السوفياتي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 وحتى نهاية الحرب الباردة في عام 1990 بانهيارالإتحاد السوفياتي. وبمجرد ما بدأت الظروف تتغير نتيجة لانفاذ القوانين التي تتعلق بحقوق الإنسان وحقوق الشعوب الأصليّة، والتحسن الذي طرأ على الحريات الفردية والشخصية والثقافية وحق العودة، بدأت بعض شرائح الشتات الشّركسي بالعودة إلى الوطن. وبعد تفكّك الإتحاد السوفياتي وظهور الفيدراليّة الروسيّة كدولة مستقلة تتكوّن من أكثر من مئة قوميّة مختلفة، قال الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين في ذكرى انتهاء الحرب الروسية/الشركسية (القوقازية) في مايو/أيار من عام (http://justicefornorthcaucasus.blogspot.com/2008/10/blog-post_6003.html) 1996، أن “روسيا تدرك تلك الأخطاء التي ارتكبت خلال تلك الفترة”، وعلى وقع ذلك البيان العقلاني برزت قضية عودة شراكسة كوسوفو الى الوطن وإقامتهم في جمهورية أديغيه في عام 1998 إثر حرب كوسوفو في البلقان. وفي يناير/كانون ثاني 2012، نشرت الكاتبة “نعيمة نفلياشيفا” في “كفكاز أوزيل” عن “تجربة العودة إلى الوطن في سنوات التّسعينيّات من القرن الماضي” (http://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251659357).
منذ اندلاع القتال في سوريا قبل عامين تقريبا طفت على السطح قضيّة الشّركس في سوريا، بالإضافة إلى جاليات قوقازية أخرى، مما أدّى إلى تفاقم هذه القضية باضطراد نتيجة للأحداث المتسارعة.
في 17 يناير/كانون ثاني 2012، قام وفد حكومي أبخازي بزيارة مفاجئة إلى سوريا وبحث ما وصف بأنّه: “التحقق من وضع السكان الأبخاز والشّركس هناك” (http://aheku.org/index.php).
في 16 مارس/آذار 2012، قام وفد برلماني روسي بزيارة الى سوريا من ضمن مهامه، بحث محنة الشركس في سوريا (http://anbamoscow.com/russia/20120320/374281582.html)، وإمكانية إعادتهم إلى وطنهم في شمال القوقاز. وضم الوفد أعضاء في مجلس الاتحاد، وهو مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي، ومسؤولين إقليميين وناشطين من أديغيا، كاراشيفو – شركيسيا وقباردينو – بلكاريا، وكان تعدادهم 11 شخصا. وحسب “كفكاز أوزيل”، (http://www.eng.kavkaz-uzel.ru/articles/21744/) قال بعض المشاركين أن الوفد سيسعى جاهدا لتعزيز فرص الهجرة للشركس الذين يعيشون في سوريا، وعلى اثر تلك الزيارة قال أحد المشاركين في الوفد، وهو عسكر سوخت: على شركس سوريّا التوجه إلى الى القنصليات الروسيه في أي مكان يتواجدون فيه (سوريا أو الأردن أو لبنان) لتقديم “طلب الحصول على صفة لاجئين بعد تقديم الطلب بثلاثة أشهر ليتسنى لهم فيما بعد الحصول على تأشيرة دخول الى الأراضي الروسيه لمدة ثلاث سنوات والحصول على جنسية الفيدراليه الروسيه ضمن الية خاصة من أجل تسريع العمليه”.
مع اقتراب دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي، نشر موقع “كفكاز أوزيل” بأن نشطاء من الشركس رصدوا لعبة للأطفال (http://www.kavkaz-uzel.ru/blogs/1927/posts/10025) بحيث تبين القوزاق “الجيّدون” يقاتلون الجبليّين “السّيّئين” – وبعبارة أخرى، أناس من شمال القوقاز.
في 9 يناير/كانون الثّاني رد مجلس الدوما الروسي على طلب رئيس الأديغه خاسا، الجمعيّة الشركسيّة في جمهورية الأديغى، آدم شعيب بوغوص (http://jaccf.org/?p=103#more-103) حول مساعدة شراكسة سوريا لعودتهم الى وطنهم التاريخي وجاء في الرد: “لجنة شؤون القوميات في مجلس الدوما الروسي تحيطكم علما بأن طلبكم لمساعدة شركس سوريا لعودتهم إلى الفيدرالية الروسية تم تحويله إلى وزارة تنمية المناطق للفيدرالية الروسية، وإليكم هذه النسخة عن رد الوزارة”! وجاء في الرد: “شركس سوريا هم أحفاد المهاجرين من شمال وغرب القوقاز من الأصول الأديغيّه الذين لم يقبلوا بالمواطنة الرّوسيّة واختاروا الهجرة الطّوعيّة من المنطقة عقب انتهاء العمليات العسكرية للحرب القوقازية (1817-1864)”.
وبذلك، فإن أجداد شركس سوريا الحاليين أقاموا في أراضٍ لم تكن ضمن الفيدرالية الروسية حتى هجرتهم في العام 1864 إلى الإمبراطورية العثمانية، فلا يمكن اعتبارهم مهاجرين من الدولة الروسية وفقا للفقرة 3 من المادة 1 من القانون الفيدرالي”، بالإضافة إلى تفاصيل تتعلق باعتبارات صاغها ما دعي بالقانون الفيدرالي الروسي وكذلك “تطبيق البرنامج الحكومي في دعم المواطنين المقيمين في الخارج لعودتهم إلى الوطن والمقرر في صيغته الجديدة بالقانون الرئاسي رقم 1289 في 14 سبتمبر/أيلول لعام 2012″، أختتم “مدير دائرة العلاقات القومية، أ. ف. جورافسكي” الرد بما يلي: “وبناءاً على ما ورد أعلاه، نعتقد أن مسألة لم شمل شركس سوريا والمواطنين المقيمين في الخارج تحتاج إلى دراسة شاملة، بالتعاون مع وزارة الخارجية الروسية ودائرة الهجرة في الفيدرالية الروسية”!
وبناءاً على هذا الرد المثير للجدل، يجب الإشارة إلى ما يلي:
– إن لجنة شؤون القوميات، للمجلس الفيدرالي للإتحاد الروسي / الدورة السادسة، في مجلس الدوما تنقل رد طرف آخر (رد رسمي) وكأنّها تقر بمعلومات وبمواقف على درجة عالية من الأهمية حيث تصل إلى حد التناقض مع الوقائع والحقائق التاريخية من جهة ومع الدستور والقوانين الروسية السارية من جهة أخرى، وما جاء في الرد لا يلمح فقط إلى تجاهل حقوق الشعب الشركسي (الأمة الشركسيّة) كإحدى القوميات الأصلية / الأصيلة في شمال القوقاز، بل وتجاهل حقوقها الإنسانيّة ومبادئ وشرائع الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
– هناك إصراراً من الجانب الروسي على تسمية الحرب الروسيّة / الشّركسيّة أو (القوقازيّة)، بالحرب القوقازية، مما يؤدّي إلى تجاهل التسمية الحقيقية، وإلى تحويل الأنظار والإهتمامات نحو اتجاه قراءة ما بين السطور من اجل محاولة تشويه الواقع وتغيير الوقائع.
– إن الحرب الرّوسيّة / الشّركسيّة التي امتدت لمدة مائة وسنة بين الأعوام 1763-1864، ذكرت في هذا المجال: “العمليات العسكرية للحرب القوقازية (1817-1864)”، وهو ما يتناقض مع صحّة الوصف ودقّة التاريخ، ما يثير التباساً في المعنى والمبتغى.
– هناك تناقضاً في االسياسات والتعهدات الروسية الموثقة والشفهية التي لم ترى النور بشكل جدي ومتوازن ابتداءاً من تصريحات الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين في عام 1996 وما تلاها من تعاطي السلطات الروسية مع الجمعية الشركسية العالمية التي اتخذت نالتشيك مقراً لها، وانتهاءاً بالطريق المسدود الّذي وصلته المحنة الإنسانيّة التي يواجهها الشّركس السوريون نتيجة لاستمرار العنف في سوريا، وعدم رغبة السلطات الروسية التعاون في هذه الظروف المأساويّة المتكرّرة!
– الإقرار الذي لم يسبق له مثيل من قبل “وزارة تنمية المناطق للفدرالية الروسية”، مؤيّدا من قبل “لجنة شؤون القوميات في مجلس الدوما الروسي”، يبين بما يدع مجالا للشك بان الشراكسة من الأصول الأديغيّة الذين هم 90% من نصف الذين بقوا على قيد الحياة بعد إبادة جماعية منظّمة وتطهير عرقي وتهجير في ظروف مأساويّة بعيداً عن الوطن الأم، أجبروا من خلاله الإلتجاء إلى مكان آمن يقيهم شر الجرائم المنظّمة، وهو ما وُصف بشراكسة سوريا الحاليين الّذين أقاموا في أراضٍ لم تكن ضمن الفيدرالية الروسية حتى هجرتهم في العام 1864 إلى الإمبراطورية العثمانية، فلا يمكن اعتبارهم مهاجرين من الدولة الروسية وفقا للفقرة 3 للمادة 1 من القانون الفيدرالي، وهذا اعتراف روسي غير مسبوق يثبت ويعلن بأن روسيا قامت باحتلال وطنهم في عام 1864، وعليه، فكيف يمكن لمواطني مناطق محتلة أن يحملوا جنسيّة الدّولة التي احتلت وطنهم!
– بذلك، فقد اعترف مجلس الدوما الروسي بعدم انضمام الأمّة الشركسية طوعا إلى الإمبراطورية الروسية قبل 450 عاما وذلك بعكس الادعاءات الرسميّة الروسيّة التي احتفلت بموجبها الحكومة الروسيّة في سبتمبر/أيلول 2007 بذكرى ذلك الحدث بمشاركة أطراف شركسيّة تعتبر جزءاً من الإدارة الرّسميّة الروسيّة في شمال القوقاز وبعضاً من شراكسة الشتات المرتبطين بالجمعيّة الشّركسيّة العالميّة التي تتخذ نالتشيك مقراً لها، ومعنى ذلك أيضاّ بأن مجلس الدوما الروسي اعترف مشكوراً بأن الوطن الشركسي لم يكن في أيّ وقت من الأوقات من ممتلكات الإمبراطورية الروسية بل احتلتهُ الإمبراطورية القيصريّة الروسية في القرن التاسع عشر بعد حرب وحشيّة مدمّرة.
المصدر: موقع الناجون من الإبادة الجماعيّة الشّركسيّة على الفيسبوك
https://www.facebook.com/groups/CircassiansGenocideSurvivors/