أوجه التشابه بين شركيسيا وأوكرانيا

أوجه التشابه بين شركيسيا وأوكرانيا

عادل بشقوي

20 يناير/كانون الثاني 2024

هناك سياسة استعمارية توسعية موحدة تطبقها الأنظمة الروسية المتعاقبة ضد أمم الجوار وما وراءها، منذ عهد إيفان الرهيب وحتى يومنا الحاضر. سياسة ترويض العشرات من الشعوب والأمم بهدف التحكم في مصائرهم لأطول فترة ممكنة. والقاسم المشترك لجميع مشاريع الاستحواذ هو اتباع أساليب متهورة تتفق مع السياسات الإستعمارية الروسية المعروفة والمتبعة في كل زمان ومكان. إنهم يرتكبون في جميع حملاتهم العسكرية جرائم القتل والإبادة والاحتلال والإخضاع والتهجير والتطهير العرقي وأخيراً الضم القسري.

يرجى الملاحظة بأنه تم الاستعانة بالمقالين التاليين لبيان الحقائق المذكورة:

نظرة فاحصة على شركيسيا [1]

الاعتراف بالإبادة الجماعية الشركسية عامل رئيسي لاستعادة الحقوق [2]

شركيسيا

شركيسيا هي أمة أوروبية صغيرة من السكان الأصليين. فقد وُجِدتْ وعاشت منذ القدم، ولِآلاف السنين في شمال غرب القوقاز، الواقعة في جنوب شرق أوروبا. وبفضل السياسة الاستعمارية الروسية، تم جلب الموت والدمار إلى شركيسيا لمئات السنين دون أدنى التزام قانوني وأخلاقي. فقد غزت الإمبراطورية الروسية أراضيها واحتلتها بالكامل في شهر مايو/أيار 1864، وذلك بعد 101 سنة من حرب التدمير والإبادة. لقد تعرض الوطن لتحديات مصيرية من خلال تعرضه للغزو الغاشم والاحتلال والإبادة الجماعية والتهجير القسري. وهكذا تم ضمها قسراً منذ ذلك الحين إلى الإمبراطورية الرّوسيّة.

كان عدد السكان عندما بدأت حرب الإبادة في عام 1763 أربعة ملايين نسمة. تم إبادة نصفهم. وتم ترحيل 90% من السكان المتبقّين على قيد الحياة، عبر البحر الأسود إلى الإمبراطورية العثمانية. ويبلغ عددهم حالياً حوالي خمسة ملايين نسمة، موزعين على أكثر من 30 دولة حول العالم. 10٪ منهم فقط (حوالي 700000) بقوا في وطنهم التاريخي. وهم يعيشون في خمس مناطق مجزّأة وغير متجاورة من موطنهم الأصلي، وتعتبر ثلاث منها جمهوريات ذات حكم ذاتي. إن هذا يؤدي إلى عواقب وخيمة، خاصة على اللغة والثقافة، في حاضر ومستقبل أمة محرومة من حقها المشروع في الوجود. فقد تعرض الشراكسة لأشرس حرب عدوانية وكذلك لِأكبر إبادة جماعية في العالم حدثت في القرن التاسع عشر“.

تعتبر سياسات الأنظمة الروسية المتعاقبة في شركيسيا انتهاكا مباشرا وواضحا لجميع القوانين والأعراف الدولية ذات الصلة. أبرزها ميثاق الأمم المتحدة، [3] والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، [4] والقانون الدولي والعدالة، [5] وحق الشعوب في تقرير مصيرها، [6] وإعلان منح الاستقلال للدول المستعمرة، [7] وإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية [8] وحق العودة. [9]

وبفضل السياسة الاستعمارية الروسية، تم جلب الموت والدمار إلى شركيسيا وغيرها لمئات السنين دون أدنى التزام قانوني وأخلاقي. ناشد الشركس وغيرهم من الأمم غير الروسية العالم أجمع لتعزيز المعرفة حول الجرائم المرتكبة ضد العشرات من الأمم، عندما لم تكن هناك وسائط متعددة لنشر مثل هذه الأفعال الخاطئة والوحشية. وسيكون الشركس مثل طائر الفينيق، قادرين في نهاية المطاف على النهوض من تحت الرماد مرة أخرى، للمطالبة بحقوقهم المشروعة.

الشراكسة في وطنهم، مدعومين بمواطنيهم في الشتات، غاضبون من موقف روسيا المثير للشفقة المتمثل في تجاهلهم وتجاهل لغتهم وثقافتهم ومطالبهم المشروعة بحق العودة لمواطنيهم، الذين ما زالوا منتشرين في جميع أنحاء العالم، بسبب الجرائم التي ارتكبتها الأنظمة الروسية المتعاقبة منذ إيفان الرهيب وحتى الآن. ولا شك أن حق العودة يتوافق مع القوانين والأعراف الدولية، وحتى مع القوانين الروسية نفسها.

من الضروري فضح  ممارسات التنمر هذه، والتي تعتبر غير حضارية، وتمارسها الطغمة الحاكمة في الوطن الشركسي ضد المواطنينالقابضين على الجمر، ويعيشون في موطنهم الأصلي، شركيسيا؛ لكنهم لم يترددوا في حماية تراثهم وقيمهم الحضارية وهويتهم القومية، وبالتالي الدفاع عن كرامتهم ولغتهم وثقافتهم الأصيلة.

أوكرانيا

في بداية الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، شهد العالم سلوكاً وحشياً شمل نزوحاً جماعياً للاجئين من البلاد. نساء مرهقات وخائفات يصطفن على الحدود الغربية للدول المجاورة، يحملن أطفالًا مذعورين، بهدف العبور إلى بيئة أكثر أمانًا. بدت شعوب العالم المختلفة مستاءة من الهجوم على دولة مستقلة ذات سيادة، وهكذا سمعت طبول الحرب تدق على أبواب أوروبا في القرن الحادي والعشرين.

وصلت عملية الانتقال الجماعي للسكان إلى مستويات لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية. وبحسب مصادر موثوقة، فمنذ اندلاع الحرب في 24 شباط/فبراير 2022، نزح حوالي ثلث مجموع السكان البالغ عددهم 44 مليون نسمة، وانتهى بهم الأمر في عشرات البلدان. أكثر من 6 ملايين نسمة، منهم أكثر من مليون طفل دون سن 18 عامًا هم نازحون داخليًا في أوكرانيا. وقد تم تسجيل أكثر من 9 ملايين أوكراني كلاجئين في أوروبا. جريمة حرب أخرى هي حقيقة إرسال أكثر من 3 ملايين لاجئ أوكراني إلى روسيا. وذُكِرَ بأنّهُ قد تمّ نقل بعضهم بالقوة.

ودافع الشعب الأوكراني ببطولة عن سيادته وسلامة أراضيه. مقاومة ملحمية للغزو الروسي الغاشم. ارتكبت القوات الروسية عمليات إبادة ضد المدنيين العُزّل في كلٍ من كييف (Kyiv)، وتشيرنيهيف (Chernihiv)، وماريوبول (Mariupol)، وخاركيف (Kharkiv)، وإيزيوم (Izyum)، وسومي (Sumy)، وبوتشا (Bucha)، وخيرسون (Kherson) وغيرها من المواقع. وهذا يذكرنا بالحروب الوحشية والإبادة الجماعية التي ارتكبتها روسيا ضد الأمة الشركسية والتي مرت حتى الآن دون محاسبة. فالدولة الروسية، لا تزال في حالة إنكار تام للاعتراف على الأقل بالمسؤولية الأخلاقية.

هناك خاصّيّة تتميز بها الأنظمة الروسية عن غيرها. ويُشهد النزوح الجماعي المعتاد للسكان خلال أي صراع و/أو حرب روسية. علاوة على ذلك، يتم ضم الأمم الخاضعة إلى كيانها الاستعماري الظالم. ويقومون بتهيئة الظروف لشن عمليات عسكرية مفاجئة. وبالتالي، فإنهم يساعدون في إدامة المجاعة، وانتشار الأوبئة، وإدارة الكوارث المصطنعة، بالإضافة إلى نشر الأكاذيب والدعاية المضلّلة. ناهيك عنسياسة فرق تسد“.

يُظهر الغزو الروسي لأوكرانيا اللامبالاة والسذاجة والتهور في تطبيق السياسة الروسية التوسعية المعتادة ضد الجيران في كافة الاتجاهات. وتؤكد مثل هذه العمليات العسكرية أن الأنظمة الروسية المتعاقبة عازمة على تنفيذ المخططات المرسومة والمخطّط لها. وهو نهج استعماري إقصائي يلحق عواقب سلبية وأضرارا بالمدنيين والمسالمين.

هذا يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن سياسة الاستحواذ الاستعماري تمضي لتحقيق أهدافها دون اهتمام بما قد يترتب عليها. على الرغم من ذلك، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا يحاول إغراء القوميات المختلفة لدعم سياساته الاستعمارية لاحتلال أراضي دولة مستقلة ذات سيادة، دون مراعاة لقيم الجوار والقوانين والأعراف الدولية.

الخاتمة

بلغ السيل الزُّبى، وطفح الكيل. لقد هرمت هذه الدولة الاستعمارية، وحان الوقت لكي تجف بحار الدماء وينحسر المد الاستعماري الروسي. فقد حان الوقت للاستجابة الإنسانية لآهات وآلام الضحايا. في العادة، تعيش الدول المتحضرة في سلام ووئام مع المناطق والبلدان المجاورة لها. بناء على ذلك، يجب وضع حد للانتهاكات الروسية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. لقد عانى الشراكسة، وأمم شمال القوقاز، وبالتأكيد أوكرانيا، بما فيه الكفاية، في حين أنّهُم يحبذون الحرية والكرامة القوميّة والاستقلال الذي يجب ضمانه. لا شك في ان الروس ارتكبوا أعمالاً عدوانية، وانتهكوا حدود جيرانهم وسيادتهم وسلامة أراضيهم، بهدف الهيمنة والسيطرة على أوطان الآخرين. ونتيجة لذلك، تعمل السياسة الاستعمارية الروسية المعتادة على ضم المناطق والأوطان التي تحتلها. وعليه، فهم يغيرون الطابع الديمغرافي ويؤسِّسون لاستعمار استيطاني مقيت يتسم بالعنصرية. ومن ثم يتم تعيين سلطات وظيفية في الأراضي المحتلة لتمثيل المحتلين وتطبيق سياساتهم. وتقضي الفطرة السليمة أن تكون الشعوب والأمم المستعمرة مؤهلة لاستعادة الحرية وتقرير المصير والاستقلال.

المراجع:

[1] https://justicefornorthcaucasus.info/?p=1251682649

[2] https://www.circassianews.com/2022/11/09/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%81-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%a8%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%b3%d9%8a%d8%a9/

[3] https://www.un.org/ar/about-us/un-charter/full-text

[4] https://www.un.org/ar/about-us/universal-declaration-of-human-rights

[5] https://www.un.org/en/global-issues/international-law-and-justice

[6] https://digitallibrary.un.org/record/784873?ln=fr#record-files-collapse-header

[7] https://www.un.org/dppa/decolonization/ar/about

[8] https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/Publications/Declaration_indigenous_ar.pdf

[9] https://prrn.mcgill.ca/research/papers/agterhuis.pdf

Share Button