موسكو تفقد السيطرة على المجتمع الشركسي بسرعة

نافذة على أوراسيا: رغم السعي إلى السيطرة الكاملة على المنظمات الشركسية، موسكو تفقد السيطرة على المجتمع الشركسي بسرعة 

بول غوبل

فيينا، الأوّل من أكتوبر — بمساعدة مباشرة من جهاز الأمن الفيدرالى (إف إس بي)، تمكّن المسؤولون الموالون لموسكو من السيطرة على اثنتان من ثلاث منظّمات وطنيّة شركسية في شمال القوقاز، وهو النصر الذي قد يصبح باهظ الثّمن لأنه يؤدي إلى تراجع نفوذ هذه الفئات وإلى تطرف العديد من شباب الشركس.

في الواقع، هناك إثنان من المقالات التي نشرت على الانترنت هذا الاسبوع تشير، إلى أن جهود موسكو — التي أدت بالفعل إلى تحييد ما كان حركة وطنية أكثر نشاطا في أعوام التّسعينيّات من القرن الماضي — تهدد بتحويل الأجزاء الغربية من منطقة شمال القوقاز حيث يعيش معظم أل 700،000 من الشركس القاطنين في روسيا، من هدوء نسبي إلى نموذج داغستان غير المستقر  والعنيف.

وهذا الخطر ليس “وراء الجبال”، كما يقول البعض في القوقاز. في نهاية هذا الاسبوع، فإن هذا الاتجاه من المرجح أن يكون حاضرا في اجتماع شركسي عالمي في مايكوب حيث أن بعض الاعضاء الاصغر سنا في الأمّة ينوون تحدي القيادة المسيطر عليها من قبل الحكومة والسّلبيّة نسبيّا تجاه الجمعيّة الشركسية العالمية (آي سي إيه).

في مقال نشر أمس على الانترنت، يصف المحلل أنطون سريكوف جهود المسؤولين الرّوس ومؤيّديهم لكسب السيطرة على أكبر ثلاث منظمات شركسيّة في شمال القوقاز – الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة نفسها والأديغة خاسة والكونغرس الشركسي (pravda.info/protest/69727.html).

وكانت الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة قد تأسّست في بدايات سنوات التسعينيات من القرن الماضي برئاسة يوري كالميكوف الذي كان يشغل منصب وزير العدل الروسي. وتحت قيادته، فإن المجموعة  ضغطت من أجل عودةالشّراكسة الذين يعيشون في الخارج إلى الوطن واستعادة وطن شركسي موحّد في شمال القوقاز بدلا من عدّة جمهوريات كان ستالين قد فصل بينها.

وبعد وفاة كالميكوف “غير المتوقعة” في عام 1996 – جاءت “الرّواية الرّسميّة” بأنه أصيب بنوبة قلبية، يقول سريكوف — “أصبحت الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة بشكل أساسي، منظمة مختلفة تماما”. وقد تم نقل مقرها من أوروبّا إلى شمال القوقاز، وكانت مموّلة تماما من قبل السلطات الاتحادية من خلال هياكل الجمهورية، وكان يسيطر عليها المسؤولين.

والجمعيّة الشّركسيّة العالميّة، يكمل سريكوف، تتألف الآن “في الواقع من موظفين حكوميين وممثليهم وأقاربهم”، وليسوا من الناشطين الشراكسة. ونتيجة لذلك، “في غضون ال 20 عاما من وجودها، لم تحل الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة ولو قضية واحدة تتعلق بمصالح الشعب الشركسي”، ومؤخرا قالت أنها “لن تتدخل في مسائل سياسية”.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المحلل يكمل، “الشتات الشركسي الذي يمتلك معلومات قليلة وكذلك شراكسة معيّنين [في شمال القوقاز] جميعهم يضعون آمالا كاذبة على الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة”، وربما لأنهم لا يرون أي بديل آخر.

ومنظمة شركسيّة ثانية قامت السلطات بالسيطرة عليها هي الأديغة خاسة. يقول سريكوف بإنّه حتى عام 1996، قامت هذه المجموعة بانتهاج قدر معين من النشاط السياسي المستقل. لكن في تلك السنة، استخدم الرئيس فاليري كوكوف الّذي كان رئيسا لقباردينو – بلقاريا في ذلك الحين “المقابض الإدارية والمالية” لاقامة “سيطرة كاملة” عليها.

هؤلاء الشراكسة الذين كانوا على استعداد للتعاون، يكمل، قاموا بالحصول على وظائف وشقق، و”اعتبارا من تلك اللحظة، فإنّ الأديغة خاسة كمنظمة وطنية تعمل لصالح الشركس لم تعد موجودة على أرض الواقع”. “المساومة” بين المنظمة والسلطات  في قباردينو – بلقاريا تركها لتكون ذات  تأثير ضئيل على السكان.

ومن وجهة نظر سريكوف، المجموعة الثالثة هي الكونغرس الشّركسي، التي هي اليوم “المنظمة الوحيدة التي هي حقا تدافع عن المصالح الوطنية للشعب الشركسي”، عن طريق نشر معلومات مطالبة بالاعتراف بالإبادة الجماعية، وتنظيم احتجاجات في انحاء العالم في 21 أيّار – مايو، الذكرى السنوية لطرد الشّركس من قبل الحكم القيصري.

نجاح الكونغرس الشركسي، يقول سريكوف، قد “أرعب موسكو، حيث بدأت الحكومة الروسية في محاولة لتنشيط الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة والأديغة خاسة آملين في التحقق من الأنشطة التي يضطلع بها الكونغرس الشركسي ولتقويض جاذبيته المعقودة  على أساس طلب للاعتراف بالإبادة الجماعية، وحق العودة إلى الوطن، وإنشاء جمهوريّة شركسيّة موحّدة.

لكن جهود موسكو لحمل “منظمتان دميتان” لتغيير شكلهما لن تفلح لما تريدها السلطات الروسية أن تكون. فمن ناحية، إنّ أية تغييرات ستكون لتسليط الضوء فقط على قوة الكونغرس الشّركسي. ومن ناحية أخرى، فإنّ مثل هذه التحركات الشفافة من المرجح أن تدفع الشباب للتّطرّف، وتحدث “وضعا مثل تلك الاوضاع الموجودة في أنغوشيا وداغستان”.

وفي المقال الثّاني يقدّم نارت ماتوكو وهو خرّيج كلّيّة العلوم السّياسيّة في جامعة الامم المتّحدة، تفاصيل إضافيّة حول السّبل الّتي يمكن من خلالها تحدّي الحرس القديم المسيطر عليه من قبل الحكومة في المؤتمر الثّامن للجمعيّة الشّركسيّة العالميّةالمنعقد بين 2-4 أكتوبر – تشرين الأوّل (www.elot.ru/main/index.php?option=com_content&task=view&id=1465&Itemid=1).

قبل ثلاثة أسابيع، اجتمع منتدى الشباب الشركسي لأنحاء روسيا في شيركيسك، وأعلن أنّه “لمن شديد الاسف [أسفهم]، فإنّه في غضون السنوات التسع الماضية، والعمل باتجاه حل المسائل الوطنيّة الأكثر أهمية، قد اتّبع بطريقة غير مرضية”.

وتابع، “إنّ التدخل من قبل الموظفين الاجتماعيّين والحكوميّين في عمل الجمعيّة قد جمّد كافّة العمليات التي بدأتها أفضل العقول للأمة في تسعينيّات القرن الماضي. نحن نعتبر أنّ الاصلاح الأساسي لهذه المنظمة مطلوبا، وتجديد تشكيل لجنتها التنفيذية يعدّ ضروريا”.
أضاف الشّباب الشّركس قولهم بأنّ مشاكل الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة والأديغة خاسة  كانت قد بدأت عندما سيطرت الهياكل الأمنية وكذلك القادة السياسيين المحليين على هذه المؤسسات “الرئيسية في المجتمع المدني في عام 2000″، وهو التطور الذي أدّى إلى “مغادرة عدد كبير من الشباب والإلتحاق في صفوف تشكيلات المجموعات غير القانونية”.

وحذّروا من انه اذا استمرّت هذه المنظّمات المسيطر عليها من قبل الحكومة كما فعلت في السنوات الأخيرة في سياسة “التّقاعس”، فإنّ ذلك سوف يؤدّي بلا شك إلى “المزيد من العواقب السّلبيّة”.

لسوء الحظ بالنسبة لهم وبالنسبة لمستقبل الاستقرار في الجزء الغربي من شمال القوقاز حيث يعيش الشركس،فإنّ هؤلاءالذين يسيطرون على الجمعيّة الشركسيّة العالميّة والاديغة خاسة يبدو أنهم قد قرّروا التّمترس، للحفاظ على سيطرتهم على هذه المنظمات حتى بدفع ثمن فقدان النفوذ في المجتمع، يجادل ماتوكو.

ان الحكومة الروسية في موسكو هي وراء هذا التّشدّد الّذي يبدو واضحا بأنّه سيكون في نهاية المطاف نهجا غير مجدي: وخريج العلوم السياسية يلاحظ أن “المفتش” الرئيسي يراقب ما يجري الآن كما اعتاد عمل ذلك على مدى السنوات التسع الماضية وهو متقاعد من مكتب الكي جي بي ويدعى أ. كودزوكوف.

هذه التطورات قد تبدو هامشية وغير هامّة لو لم تكن لأمرين. من ناحية، فإنّ موسكو تبذر بذور مشاكل المستقبل لنفسها حيث أنّ الأمور كانت هادئة نسبيّا. ومن ناحية أخرى، فإنّ الخمسة ملايين شركسي الّذين يعيشون في الخارج سوف يراقبوا  ليروا ما إذا كان إعادة تنشيط الحركة الشركسية سوف يظهر في وطنهم.
ترجمة: أخبار شركيسيا

Share Button

مداد القلم: ذاكرة قلم..يلتسين على طريق إيفان الرهيب وستالين

ذاكرة قلم..يلتسين على طريق إيفان الرهيب وستالين

غزو الشاشان وبداية النهاية للامبراطورية الروسية

ما الذي يجعل قضية جمهورية الشاشان وشعبها “مشكلة روسية داخلية”، وجعل قضية جمهوريات البلطيق الثلاث أيام انهيار الاتحاد السوفييتي “قضية دولية”؟..
ما هو تعليل المطالبة بحقّ تقرير المصير لبعض الشعوب وإنكاره على أخرى من الشعوب التي يستعمر الروس أراضيها؟..
كيف تتعرّض موسكو للضغوط لتسحب البقية الباقية من قواتها من أراضي البلطيق وتجد التشجيع على أعمال التقتيل والتدمير والإرهاب في أرض القوقاز؟..
هل يوجد فارق موضوعي واحد يعطي جواباً منطقياً على هذه الأسئلة وأمثالها، سوى أن أهل جمهورية الشاشان وأخواتها في منطقة القوقاز وما حولها، مسلمون، من أصل زهاء 25 مليون مسلم لا يزالون تحت سيطرة الاستعمار الروسي، ولا تزال أراضيهم تحت سيطرة الاستغلال الروسي!..
لقد نشأت الامبراطورية الروسية، القيصرية فالشيوعية فالرأسمالية، قبل زهاء ثلاثة قرون فقط، وكانت من اللحظة الأولى دولة استعمارية، احتلّت الأراضي الإسلامية في تركستان وقفقاسيا بالقوة العسكرية، وحملات التهجير الكبرى والتقتيل الجماعي، وحاولت عبثاً صناعة تاريخ جديد وجغرافيا جديدة فيها، من خلال الاستيطان الروسي الاستعماري، وجهود التنصير المتواصلة، ثمّ نشر الإلحاد الشيوعي بالحديد والنار. وهي نفسها روسيا الاستعمارية نفسها التي تحرّكت غرباً فاحتلت أراضي أوكرانيا وروسيا البيضاء ومولدايفيا وأجزاء من رومانيا ودول البلطيق. وسقطت القيصرية، ثمّ سقطت الشيوعية، فما هي الأسس القانونية الدولية التي يُعتمد عليها لاعتبار بعض الأقطار التي كانت مستعمرة دولا مستقلة واعتبار بعضها الآخر مقاطعات تابعة للاتحاد الروسي في عهد الوفاق الجديد بينه وبين الدول الاستعمارية الغربية القديمة والحديثة؟..
الشاشان.. وشاعت تسميتها بالشيشان
mapp
وجمهورية الشاشان بالذات قامت واستقلت رسمياً قبل قيام الاتحاد الروسي نفسه بشكله الجديد، فقد ارتبطت إعادة تكوينه بوضع ما سمي “المعاهدة الاتحادية” في عهد يلتسين، ولم تشارك جمهورية الشاشان في وضعها ولا في التوقيع عليها، وبقيت رسميا وبمفهوم القانون الدولي خارج نطاق الاتحاد الروسي، مثلها في ذلك مثل 17 جمهورية مستقلة نشأت فور انهيار الاتحاد السوفييتي. رغم ذلك فإن ّالدول الإسلامية جميعاً لا الدول الغربية فقط، امتنعت عن الاعتراف بالدولة الإسلامية الناشئة واستقلالها، وفضّلت مراعاة موسكو ومطامعها الاستغلالية في ثروات الشاشان وأخواتها، بينما لم تكن موسكو على استعداد لمراعاة المسلمين وقضاياهم على أيّ صعيد، فمارست أشدّ الضغوط على جمهوريات تتاريا وداغستان وباشكيريا وسواها، لا سيما تلك التي بقيت الهياكل الشيوعية القديمة مسيطرة عليها، كي تستمر السيطرة الروسية الاستعمارية عليها أيضا، كما مارست أشدّ الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية لتفريغ الاستقلال من مضمونه الحقيقي في طادجكستان وقيرغيزيا وأذربيجان وقازاقستان وأوزبكستان وفرض الهيمنة الروسية عليها مجددا. هذا علاوة على ما تمارسه موسكو من سياسة همجية عدائية ضدّ المسلمين في البلقان، وسياسة تواطؤ دولي ضدّ العرب والمسلمين في فلسطين، وهكذا في كل منطقة لا تزال قضايا المسلمين فيها تنتظر موقف العدالة الدولي منذ عشرات السنين، كما في كشمير والفلبين وبورما وسواها.
إنّ روسيا التي تقصف بطائراتها ودباباتها وصواريخها ومدافعها المدن والقرى في أرض الشاشان، ولا تميّز في ذلك بين مدنيين وعسكريين، ولا بين رجال ونساء، وشيوخ وأطفال، هي عينها روسيا التي كان قيصرها الجديد يلتسين يدعو بين الشاشان وسواهم من الشعوب المستعمرة إلى ممارسة حقهم في تقرير المصير، ويعارض استخدام القوّة العسكرية لإنقاذ الاتحاد السوفييتي من الانهيار، يوم كان يمارس تلك السياسة وسيلة في معركته على السلطة ضدّ جورباتشوف.
وكما تحرّك جورباتشوف بالقوّة العسكرية ضدّ المسلمين في أذربيجان في محاولة يائسة لإنقاذ الاتحاد السوفييتي آنذاك من الانهيار دون جدوى، إذا بيلتسين يتحرّك بالأساليب العسكرية نفسها، بعد إخفاقه على كل صعيد داخلي في موسكو ليعيد للامبراطوية العجوز مظهر الدولة الكبرى الحديثة، وإذا بالجيش الروسي مع أواخر القرن الميلادي العشرين يعيث فساداً كما كان يصنع الجيش الروسي في عهد إيفان الرهيب قبل ثلاثة قرون، وكما كان يصنع الجيش الروسي في عهد ستالين قبل بضعة عقود، وذلك في الأراضي الإسلامية نفسها، في طادجكستان وأذربيجان، وأوستينيا الشمالية وإنجوشيا، وفي الشاشان، أي في كلّ منطقة تجدّدت فيها مبادرات التمرّد بروح إسلامية ضدّ الاستعمار الروسي بشكله الحديث، ولم تتمكّن الأنظمة المحلية من إخمادها بدعم روسي مباشر أو غير مباشر كما في أقطار أخرى داخل تركستان وقفقاسيا.
وكانت واشنطون أوّل من أعلن قبيل بداية الغزو الروسي الأخير، وأثناء مسرحية الخلاف المتقنة في قمة بودابست على حساب المسلمين في البوسنة والهرسك.. كانت أوّل من أعلن أن قضيّة الشاشان في نظرها مشكلة روسية داخلية، وكأنّها تدعو يلتسين إلى التخلّي عن مخاوفه من حريق القوقاز، وإلى إرسال قوّاته العسكرية لتصنع ما صنعته في أرض الشاشان. وكان هذا الموقف الأمريكي إيذاناً بمواقف مماثلة صدرت عن باريس ولندن وعواصم أوروبية أخرى، وهي تردّد في الوقت نفسه، ذرّا للرماد في عيون الرأي العام لديها، أنّها تعارض استخدام القوة العسكرية “المكثّفة” على النحو الذي يصنعه الروس بأسلحتهم، بعد أن عجزوا عن الوصول إلى أهدافهم طوال ثلاث سنوات سبقت من خلال اصطناع “تمرّد محلّي مسلح” وإمداده بالمقاتلين والسلاح.
ولكن.. هل تستطيع القوة العسكرية الروسية إخضاع مسلمي الشاشان ومسلمي قفقاسيا وتركستان مجددا للامبراطورية الروسية؟..
أين في ذلك منطق التاريخ على امتداد ثلاثة قرون مضت، كانت الغزوات السوداء والحمراء الروسية تتوالى خلالها في تلك المنطقة، وكانت الثورات الشعبية ضدّ الغزاة تتجدّد فيها أيضاً دون انقطاع؟..
وأرض الشاشان بالذات كانت أرض الشيخ شامل الداغستاني وثورته التي استمرّت أربعين عاما ضدّ القياصرة الروس وامبراطوريتهم الاستعمارية الكبرى آنذاك، وكانت أرضَ الثورة التي استمرّت عدة أعوام ضدّ القيصر الأحمر ستالين وهو على رأس امبراطوريته الشيوعية في أوج امتدادها الدموي عالميا. ولم يبقَ بعد الغزوات والثورات، وبعد التنصير الأورثوذوكسي والإلحاد الشيوعي، إلاّ إسلام شعوب يأبى الخضوع جولة بعد جولة وحقبة بعد حقبة.
ولقد كانت أرض الشاشان بالذات شاهدا على ذلك، عندما ألغت الامبراطورية الروسية لفترة وجيزة قوانين التنصير التي بقيت سارية المفعول عشرات السنين، وإذا بمئات الألوف من السكان يعلنون مجدّدا أنّهم لا يزالـون على إسـلامهم.
كما كانت جروزني، عاصـمة الشـاشـان بالذات شاهدا على ذلك، عندما هوت صروح الشيوعية المهترئة، فإذا بها خلال سنوات معدودة تشهد أكبر موجة بناء للمساجد، بعد أن كان القياصرة والشيوعيون قد هدموا المئات منها فلم يبقَ فيها سوى ستة مساجد فقط في مطلع الثمانينات الميلادية.
كذلك فقد كان شعب الشاشان بالذات شاهدا على ذلك، فقد شرّد القياصرة ثلثه، وشرّد الشيوعيون نصفه، وإذا بأبنائه يعودون إلى أرضهم، ويجدّدون عهدهم مع الإسلام عليها، وعلى الجهاد من أجل تحريرها، وإذا بأهل الشاشان الذي لا يصل تعدادهم داخل أرضهم اليوم إلى عُشر تعداد العاصمة الروسية موسكو وحدها، يتحدّون قوّات الدولة التي ورثت أسلحة الاتحاد السوفييتي وزهاء أربعة ملايين جندي من قواته تحت السلاح!..
ولا تزال التحليلات الروسيّة نفسها والتحليلات الغربيّة عاجزة عن تفسير ظاهرة الصمود في أرض الشاشان، إلى درجة أنٌ القوّات التي تجاوزت الحدود تحت حماية غارات جويّة مستمرّة ليلا ونهارا، وقصف صاروخي ومدفعي شمل المدن والقرى سبعة أيام متوالية.. إذا بها تضطر إلى التراجع عن أكثر من موقع في اليوم الثامن للقتال، أمام عدد محدود من المقاتلين يغيرون عليها هنا وهناك.
ولم تعد التساؤلات تُطرح فقط عن مصير الغزوة الروسيّة الجديدة، وعن مصير المسلمين الشاشان، بل أصبحت تقترن بالتنبّؤات العسكريّة أنّ احتلال الشاشان عسكريّا لا يعني انتهاء القضيّة، بل بداية النهاية ليلتسين على الأقلّ، ولأحلامه القيصرية الروسية فوق ما يصنع من أنقاض ويزهق من أرواح وسط تواطؤ دوليّ رهيب لا يماثله إلاّ ما كان من تواطؤ دوليّ مع نشأة الامبراطورية الروسيّة للمرّة الأولى.
والعجز في التحليلات الأجنبيّة وكذلك على أقلام من ينهج نهجها داخل البلدان الإسلامية، عن تفسير ظاهرة الصمود في أرض الشاشان وأخواتها، عجز صادر عن ذلك المنطق المادي القاصر عن استيعاب التاريخ والسنن الربّانية في صنعه، فهذا ما يدفع كثيرا من تلك الأقلام إلى التعلّق بتعليل يقول بوعورة الجبال الشاهقة في القوقاز فلولاها لهزم المسلمون نهائيا، وهي عينها الأقلام التي تريد إقناعنا بأنّ صمود المسلمين في فلسطين يرجع إلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردّية فحسب فإن تحسّنت “نسي” المسلمون عهدهم مع الإسلام ضدّ الاغتصاب والغاصبين للأرض المباركة، ويقال شبيه ذلك عن صمود المسلمين في كشمير، وفي طادجكستان، وفي البلقـان.. وهكـذا كأنّ أولئك المحلّلين لا يرون ولا يريدون أن يروا القاسم الأعظم المشترك بين المسلمين في سائر المناطق المذكورة وسواها، والذي يجمع بينهم، ويصنع صمودهم واستبسالهم، ويفتح أمامهم الطريق نحو انتصارات قادمة حتما، عاجلا أو آجلا، فقد استيقظت العقيدة في أعماق القلوب وعلى سواعد المجاهدين وفي واقع الحياة اليومية على السواء. وهذا الذي تشهده الأراضي الإسلاميّة، ما بين طادجكستان والبلقان، وفي حياة الفتيات الناشئات المحجّبات على أرض فرنسا وفي أيدي الصغار والكبار وهي تقذف الأحجار على أرض فلسطين.. هذا ما تخشاه القوى الدوليّة المعادية، لأنّها تقدّر نتائجه على المدى القريب والبعيد، فهو جزء لا يتجزّأ من السنّة الربّانية الثابتة في مجرى التاريخ منذ القدم في صناعة الأمم، وفي صناعة الأمّة الإسلاميّة على وجه التحديد.
إنّ العودة إلى العقيدة، وتجدّد فهم الإسلام، واستيعاب دوره في حياة البشريّة، ورؤية الأحداث والتطوّرات العالمية عبر المنظور الإسلاميّ، وكذلك الإقبال على تطبيق ما يقتضيه هذا الوعي في كلّ ميدان ممكن، ورسوخ اليقين بأنّ الطاقات الذاتيّة هي التي تصعد -بإذن الله- بالمسلمين من عصر الانحطاط الراهن الذي نعاني من آثاره ونتائجه، إلى المستقبل المشرق بتجديد مآثر الإسلام في حياة البشرية حقّا وعدلا وسماحة وهديا.. هذه المسيرة التي أخفقت جهود عشرات السنين الماضية وعجزت عن إطفاء جذوتها، هي التي تجعل قوى الوفاق الدوليّ الحديث تخفق أيضا في منطقة بعد أخرى وفي جولة بعد جولة، وهي التي تجعل شدّة الضربات ووطأة المحن من وسائل تستهدف القهر، إلى منطلقات تجدّد العزائم وتضاعف أسباب التعبئة والنهوض والجهاد، على طريق واصلة إلى الأهداف العزيزة الجليلة، حتّى ولو تطاولت هذه الحقبة جيلا أو جيلين، فهي في عمر التاريخ لمحة وجيزة، ومقياسها عند المسلم لا يتبدّل ما دامت غايته إحدى الحسنيين، مرضاة الله وجزاؤه الأوفى في الآخرة الباقية، أو نصر للإسلام في هذه الحياة الدنيا.

 


Share Button

أضواء على تهجير الشركس من وإلى البلقان

فيما يلي مقالا كتبه “غروزني” وهو أحد أعضاء موقع “منتدى المحترفين العرب” بعنوان “أضواء على تهجير الشركس من وإلى البلقان”، والّذي يعكس المآسي والأهوال الّتي جابهت الشّراكسة المهجّرين من الوطن الأم إلى البلقان ومن ثمّ تهجيرهم مرّة أو مرّات أخرى عبر البلدان المختلفة:

أضواء على تهجير الشركس من و إلى البلقان

 

و على الشعوب البلقانية رغم قصر مدتها (من بدايات عام 1860 إلى نهاية عام 1878) حيث أن العدد الأكبر من الشركس كان قد هاجر من البلقان في نهاية عام 1878 و بقي هناك عدد أقل من ذلك. إن منطقة البلقان في الواقع كانت خاضعة للدولة العثمانية في ذلك الحين، و كانت تعتبر منطقة استراتيجية بالنسبة لها، فهي أولا كانت تمتد من سواحل البحر الأسود الغربية شرقا إلى سواحل بحر الادرياتيك غربا، كما أن نهر الدانوب كان يفصل حدود الدولة العثمانية الشمالية عن الإمبراطورية النمساوية و الممالك الرومانية المستقلة مثل: ولاشيا، مولدافيا، الافلاق و البغدان، بالإضافة إلى أن منطقة لاريسا ـ يانينا كانت تفصل الدولة العثمانية عن مملكة اليونان في الجنوب الغربي و التي استقلت عن الدولة العثمانية عام 1801. بسبب خصوبة منطقة البلقان فقد كانت تعتبر سلة غذاء بالنسبة للدولة العثمانية أضف إلى ذلك وقوعها في قارة أوربا، و كذلك كانت تعتبر البلقان بوابة شمالية غربية للعاصمة إسلام بول (استنبول) و بسبب تنوع الشعوب و اللغات و الأديان في البلقان فقد كانت مصدرا للثورات ضد الدولة العثمانية فكان لا بد من كبح جماح هذه الثورات، لهذا السبب كان أحد الجيوش العثمانية الستة متواجدا بشكل دائم في البلقان و كانت الدولة العثمانية تقوم بعمليات ترحيل و إعادة تسكين دائمة في البلقان بهدف غربلة السكان و إبقائهم ضعفاء.

 

ازداد اهتمام الدولة العثمانية في البلقان بعد عام 1859 أي بعد هزيمتين للأتراك العثمانيين في حرب القرم و التي اشتركت فيها روسيا القيصرية و بريطانيا و فرنسا و التي خرجت منها الدولة العثمانية مهزومة و مثقلة بالديون التي استدانتها لتمويل حملتها في حرب القرم، كما أنها قد خسرت أيضا شبه جزيرة القرم التي ضُمت إلى روسيا الأمر الذي أدى ذلك إلى نزوح مئات الألوف من التتر إلى الدولة العثمانية منهم 200 ألف تتري تم إسكانهم في البلقان في مناطق شرق بلغاريا و دوبرجه في قرى تركية و بلغارية. كانت عملية تهجير التتر إلى البلقان تهدف إلى زيادة عدد المسلمين في الرومللي و استغلال الأيدي العاملة التترية في الزراعة و مد الطرقات و زيادة عدد الناطقين باللغة التركية.

 

و بالفعل تم الاهتمام بالبلقان بعد عام 1859 حيث تم إنشاء سكة حديد تربط ما بينها و بين كونستانجا على البحر الأسود و سيرنافودا على نهر الدانوب كما تم إحضار الوالي مدحت باشا لتنظيم شؤون ولاية الرومللي. إلا أن عملية تهجير الشركس إلى البلقان كانت شيئا مختلفا عن تهجير التتر إلى البلقان، ففي البداية لا بد من ذكر أن عملية تهجير الشركس إلى البلقان لم يعرها المؤرخون الكثير من الاهتمام، بل كادت أن تكون منسية لولا وجود الوثائق البريطانية، فوزارة الخارجية البريطانية كما هو معروف تقوم بنشر الوثائق و المعلومات التي جمعتها من مختلف مناطق العالم بعد مرور مائة عام عليها ليستفيد منها الباحثون و لتكون ملكا للتاريخ، فمنذ عام 1960 و حتى يومنا هذا تقوم بريطانيا بنشر الوثائق الخاصة بالبلقان و من ضمنها تلك المتعلقة بالشركس، كما قامت بالمقابل الدول المعنية بالبلقان مثل تركيا و بلغاريا و غيرها بنشر وثائقها التاريخية المتعلقة بالفترة بدءا من عام 1860 و ما بعد ذلك و المتضمنة أحداث و تواريخ و معلومات حصلت في البلقان في تلك الفترة الأمر الذي أدى إلى تسليط الضوء على مزيد من المعلومات المتعلقة بالشركس و تهجيرهم من البلقان و فيما يلي مقتطفات من مصادر مختلفة حول تهجير الشركس: مع مطلع عام 1860 بدأ وصول المهجرين الشركس إلى البلقان و قد اشتدت موجات التهجير عام 1864 أي بعد انتهاء الحرب القفقاسية الروسية، و كانت الموانئ الرئيسية في البلقان التي استقبلت المهجرين الشركس هي الموانئ التالية: فارنا و بورجاس في ولاية الرومللي و ميناء كونستنجي في دوبروجا. و قد كان وصول المهجرين الشركس إلى هذه الموانئ من موانئ قفقاسية مثل: توآبسة و تسميز (نوفوروسك) و غيرها و كانت تقوم بنقل المهجرين الشركس سفن تركية و إنجليزية و فرنسية و روسية. كان عدد كبير من هذه السفن هو عبارة عن سفن تجارية و غير صالح للملاحة و لقد غرق عدد كبير من المراكب في البحر بسبب الحمولة الزائدة و ذُكرت قصص مرعبة عن غرق مراكب عديدة بمن عليها، و كثيرا ما كانت السفن تنزل المهجرين الشركس في شواطئ مظلمة و غالبا لم يكن معهم أي من المراقبين الرسميين. و قد ذُكر أن 25 % من المهجرين الشركس إلى البلقان قد قضوا نحبهم في الأشهر الأولى بسبب سوء التغذية و الأمراض. ذكر أحد المراقبين أن 80 ألفا من المهجرين وصلوا ميناء فارنا و وصف حالهم بقوله:”إن الشركس وصلوا فقراء معدمين يعانوا من الحمى و الدوسنطاريا، لقد كانوا على الأغلب بدون مؤونة، فقط طبيب واحد و بدون أودية، لقد تغطت الشواطئ بالموت، و قد استُخدم السجناء لدفن الموتى أو قذف جثثهم إلى البحر”. بعد مرور أشهر على هذه الحالة السيئة قامت الإدارة العثمانية بتوزيع آخر للشركس من سواحل البحر الأسود إلى داخل اليابسة حيث قام العثمانيون بنقل المهجرين من شواطئ البحر الأسود بالعربات و القطارات إلى ميناء سيرانافودا على نهر الدانوب، و من هناك استعملوا سفنا صغيرة تسير على نهر الدانوب إلى موانئ أخرى تقع على هذا النهر مثل: سومن، تولشا، سيليستر، لوم، فيدين، رنسي، سفيستور، نيكوبوليس و من هذه الموانئ وزع جزء من الشركس داخل البلاد إلى مناطق مثل: صوفيا، نيش، سكوبيا و كولارفجاردا. و قد أسكن آخرون في مناطق: مسادونيا، تراس، ما حول سالونيكا، سيررش، لارسا و قد قام العثمانيون بتوزيع الشركس في المناطق المذكورة في قرى بلغ عددها المئات تمتد من سواحل البحر الأسود إلى سواحل بحر الادرياتيك.

 

بالنسبة لأعداد المهجرين الشركس إلى البلقان فإن التقديرات تشير إلى أنه يتجاوز النصف مليون شخص، و ذكرت المصادر البلغارية أنه قد تم إسكان 250 ألف شركسي على الأقل في الرومللي، و هي المناطق التي تشكل بلغاريا الحالية، هذا بالإضافة إلى دوبروجا التي تقع حاليا ضمن رومانيا و التي قُدِّر عدد الشركس و التتر فيها بـ 130 ألفا من أصل 179 ألفا في ذلك الحين. كما استقبلت مناطق مثل مقدونيا و كوسوفو و البوسنة و الهرسك التي أصبحت يوغوسلافيا فيما بعد 200 ألف شركسي، إلى جانب منطقتي لاريسا و سالونيك اللتان أصبحتا فيما بعد تشكلان جزءا من اليونان و قد استقبلتا عددا غير معروف من الشركس. و من الملاحظ أن توزع الشركس في البلقان جاء وفق ما تقتضيه المصلحة العثمانية، فقد جرى توزيعهم على طول نهر الدانوب ابتداء من

Nikopolis, Ruse, Si-listre, Cernavoda, Hirsova, Mecidia, Macin, Salina, Tolcha Vi-din, Kum,

و ذلك كي يُشكِّل الشركس خط دفاع أول في حالة الهجوم على الدولة العثمانية و اختراق نهر الدانوب، بينما قاموا بتوطين التتر في مناطق داخلية و آمنة، و كانت المسافة التي تفصل بين القرى الشركسية تبلغ مسافة مسير يوم واحد لتكون عملية مواجهة أي طارئ و استدعاء المقاتلين سريعة, و قام العثمانيون بإنشاء فرق “الباش بوزاق” و هي كتائب غير نظامية مهمتها حماية الأمن الداخلي، و قد شكل الشراكسة أغلب عناصرها. أدى هذا التوزيع السيئ للشركس إلى أن يكونوا على احتكاك دائم مع السكان الأصليين و خاصة البلغار، كذلك أدى عدم الاستقرار النفسي للشركس إلى عكوفهم عن الزراعة و بالتالي سوء أحوالهم المعيشية مما أدى إلى ثورتهم على الدولة العثمانية نفسها عام 1867،و قد أحضر العثمانيون مئات الفرق لإخضاعهم. كان معظم الشركس في البلقان ينتمون إلى قبيلتي الأبزاخ و الشابسوغ بالإضافة إلى عدد أقل من ذلك كانوا من قبائل الأبخاز الذين وصل بضعة لآلاف منهم إلى البلقان عام 1876، و في عام 1877 اندفع 300 ألف جندي روسي عبر Ruse على نهر الدانوب إلى داخل حدود الدولة العثمانية منهين بذلك حكم العثمانيين في البلقان الذي استمر على مدى أربعة قرون. و بحلول عام 1878 كانت القوات العثمانية قد انهارت تماما أمام القوات الروسية، و يجب أن نذكر هنا أن 15 ألفا من الخيالة الشركس قد اشتركوا في الحرب النظامية في جبهة البلقان. كما يجدر بنا أن نذكر بأن ألفين من المقاتلين الشركس قد دافعوا عن مدينة بلفن عندما حاصرتها القوات الروسية و الرومانية و ذلك بقيادة غازي عثمان باشا و ميرزا باشا، كما اشتركت قوات مصرية في الحرب تحت قيادة ضباط من الشركس إلى جانب القوات العثمانية، هذا بالإضافة إلى فرق الباش بوزاق التي شكل المتطوعون الشركس أغلب عناصرها. و قد استغل البلغار هجوم الروس فقاموا بالتعاون معهم بأعمال قتل جماعية ضد المسلمين عامة كما قام الصرب بنفس الشيء حيث أخذوا يقتلون كل من هو مسلم في المنطقة التي أصبحت خاضعة لهم (منطقة نيش) و قد بلغ مجموع ضحايا المسلمين في البلقان ما بين عامي 1877 ـ 1878 نحو 200 إلى 300 ألف حسب التقديرات البريطانية، و قد ذكر أحد البريطانيين واصفا المعاملة التي لقيها المدنيون المسلمون على أيدي الروس و البلغار والصرب من قتل و دمار بأنها لم تحصل في أوربا منذ عهد البرابرة الذين سادوا أوربا في العصور القديمة. و قد حصلت كل من بلغاريا و صربيا على الاستقلال من الدولة العثمانية و طُرِدَ مليون و نصف مسلم من البلقان إلى مناطق أخرى من الدولة العثمانية منهم 150 ألف شركسي حسب ما تذكره المصادر العثمانية، و من الملاحظ أن أشد المناطق التي ارتكبت فيها أعمال القتل و الدمار كانت منطقة نيش في صربيا و وادي تونجا في بلغاريا. بقي عدد آخر من الشركس في البلقان في مناطق مختلفة لم يغادروها في تلك الفترة بسبب استمرار خضوعها للحكم العثماني، لكن حصلت هجرات أخرى منذ ذلك الوقت و حتى يومنا هذا للمسلمين كافة و منهم الشركس أيضا، و نورد هنا الهجرات المختلفة التي حصلت من البلقان للمسلمين حتى الآن: هاجر من بلغاريا ما بين عامي 1893 ـ 1902 نحو 172 ألف مسلم توجه معظمهم إلى تركيا، و بين عامي 1908 ـ 1913 قامت بلغاريا باحتلال ساحل البحر الأسود منطقة بورجس حيث كان يعيش عدد من الشركس، و قد تم تهجير عدد كبير من المسلمين آنذاك. موجة أخرى للتهجير خضع لها المسلمون عام 1924 ما بين عامي 1949 ـ 1951 حيث طُرِدَ 152 ألف تركي إلى تركيا، و من الجدير بالذكر أن بلغاريا و بعد عام 1921 أخذت تطلق اسم تركي على كل من هو مسلم بغض النظر عن أصله العرقي، و كذلك فإن الإحصائيات السكانية في بلغاريا التي سبقت عام 1949 ذكرت الشركس تحت اسم القفقاسيين. و كانت الهجرة الأخيرة للمسلمين من بلغاريا عام 1985 حيث تم طرد 350 ألف شخص إلى تركيا منهم أعداد كانوا من أصل تركي. و بالنسبة لليونان فإن حوالي 370 ألف مسلم قد تم ترحيلهم إلى تركيا من المناطق الشمالية لليونان حول لاريسا و سيريس و سالونيكا و التي هي من المناطق التي سكنها الشركس منذ بدايات عام 1864. أما فيما يخص يوغوسلافيا فإن مملكة الصرب التي استقلت عن الدولة العثمانية عام 1878 قد رحَّلت بقية المسلمين من شمال مقدونيا حول نيش و هي مناطق سبق و أن سكنها الشركس و قد هاجر عدد كبير من الشركس من إقليم كوسوفو بعد أن احتلته الإمبراطورية النمساوية عام 1913. قدَّر أحد المؤرخين النمساويين عدد الشركس في إقليم كوسوفو و البوسنة و الهرسك في ذلك الحين بنحو 300 ألف شخص. ما بين عامي 1955 ـ 1960 غادر آلاف الشركس الذين بقوا في إقليم كوسوفو إلى تركيا، كما كان من المتوقع أن يغادر العدد القليل من الشركس الذين يعيشون في عدة قرى حول مدينة بريشتين إلى القفقاس لدى اندلاع الحر ب في الإقليم (استطاعت حكومة جمهورية الأديغة سحب 21 عائلة شركسية يتجاوز عدد أفرادها 85 فردا من كوسوفو عام 1998). و بالنسبة لإقليم دوبرجا الذي أصبح واقعا ضمن دولة رومانيا بعد عام 1878 فقد غادره معظم الشركس و التتر إلى تركيا في ذلك الحين.

http://www.arabprof.com/vb/showthread.php?t=4189


Share Button