نافذة على أوراسيا: رغم السعي إلى السيطرة الكاملة على المنظمات الشركسية، موسكو تفقد السيطرة على المجتمع الشركسي بسرعة
بول غوبل
فيينا، الأوّل من أكتوبر — بمساعدة مباشرة من جهاز الأمن الفيدرالى (إف إس بي)، تمكّن المسؤولون الموالون لموسكو من السيطرة على اثنتان من ثلاث منظّمات وطنيّة شركسية في شمال القوقاز، وهو النصر الذي قد يصبح باهظ الثّمن لأنه يؤدي إلى تراجع نفوذ هذه الفئات وإلى تطرف العديد من شباب الشركس.
في الواقع، هناك إثنان من المقالات التي نشرت على الانترنت هذا الاسبوع تشير، إلى أن جهود موسكو — التي أدت بالفعل إلى تحييد ما كان حركة وطنية أكثر نشاطا في أعوام التّسعينيّات من القرن الماضي — تهدد بتحويل الأجزاء الغربية من منطقة شمال القوقاز حيث يعيش معظم أل 700،000 من الشركس القاطنين في روسيا، من هدوء نسبي إلى نموذج داغستان غير المستقر والعنيف.
وهذا الخطر ليس “وراء الجبال”، كما يقول البعض في القوقاز. في نهاية هذا الاسبوع، فإن هذا الاتجاه من المرجح أن يكون حاضرا في اجتماع شركسي عالمي في مايكوب حيث أن بعض الاعضاء الاصغر سنا في الأمّة ينوون تحدي القيادة المسيطر عليها من قبل الحكومة والسّلبيّة نسبيّا تجاه الجمعيّة الشركسية العالمية (آي سي إيه).
في مقال نشر أمس على الانترنت، يصف المحلل أنطون سريكوف جهود المسؤولين الرّوس ومؤيّديهم لكسب السيطرة على أكبر ثلاث منظمات شركسيّة في شمال القوقاز – الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة نفسها والأديغة خاسة والكونغرس الشركسي (pravda.info/protest/69727.html).
وكانت الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة قد تأسّست في بدايات سنوات التسعينيات من القرن الماضي برئاسة يوري كالميكوف الذي كان يشغل منصب وزير العدل الروسي. وتحت قيادته، فإن المجموعة ضغطت من أجل عودةالشّراكسة الذين يعيشون في الخارج إلى الوطن واستعادة وطن شركسي موحّد في شمال القوقاز بدلا من عدّة جمهوريات كان ستالين قد فصل بينها.
وبعد وفاة كالميكوف “غير المتوقعة” في عام 1996 – جاءت “الرّواية الرّسميّة” بأنه أصيب بنوبة قلبية، يقول سريكوف — “أصبحت الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة بشكل أساسي، منظمة مختلفة تماما”. وقد تم نقل مقرها من أوروبّا إلى شمال القوقاز، وكانت مموّلة تماما من قبل السلطات الاتحادية من خلال هياكل الجمهورية، وكان يسيطر عليها المسؤولين.
والجمعيّة الشّركسيّة العالميّة، يكمل سريكوف، تتألف الآن “في الواقع من موظفين حكوميين وممثليهم وأقاربهم”، وليسوا من الناشطين الشراكسة. ونتيجة لذلك، “في غضون ال 20 عاما من وجودها، لم تحل الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة ولو قضية واحدة تتعلق بمصالح الشعب الشركسي”، ومؤخرا قالت أنها “لن تتدخل في مسائل سياسية”.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المحلل يكمل، “الشتات الشركسي الذي يمتلك معلومات قليلة وكذلك شراكسة معيّنين [في شمال القوقاز] جميعهم يضعون آمالا كاذبة على الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة”، وربما لأنهم لا يرون أي بديل آخر.
ومنظمة شركسيّة ثانية قامت السلطات بالسيطرة عليها هي الأديغة خاسة. يقول سريكوف بإنّه حتى عام 1996، قامت هذه المجموعة بانتهاج قدر معين من النشاط السياسي المستقل. لكن في تلك السنة، استخدم الرئيس فاليري كوكوف الّذي كان رئيسا لقباردينو – بلقاريا في ذلك الحين “المقابض الإدارية والمالية” لاقامة “سيطرة كاملة” عليها.
هؤلاء الشراكسة الذين كانوا على استعداد للتعاون، يكمل، قاموا بالحصول على وظائف وشقق، و”اعتبارا من تلك اللحظة، فإنّ الأديغة خاسة كمنظمة وطنية تعمل لصالح الشركس لم تعد موجودة على أرض الواقع”. “المساومة” بين المنظمة والسلطات في قباردينو – بلقاريا تركها لتكون ذات تأثير ضئيل على السكان.
ومن وجهة نظر سريكوف، المجموعة الثالثة هي الكونغرس الشّركسي، التي هي اليوم “المنظمة الوحيدة التي هي حقا تدافع عن المصالح الوطنية للشعب الشركسي”، عن طريق نشر معلومات مطالبة بالاعتراف بالإبادة الجماعية، وتنظيم احتجاجات في انحاء العالم في 21 أيّار – مايو، الذكرى السنوية لطرد الشّركس من قبل الحكم القيصري.
نجاح الكونغرس الشركسي، يقول سريكوف، قد “أرعب موسكو، حيث بدأت الحكومة الروسية في محاولة لتنشيط الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة والأديغة خاسة آملين في التحقق من الأنشطة التي يضطلع بها الكونغرس الشركسي ولتقويض جاذبيته المعقودة على أساس طلب للاعتراف بالإبادة الجماعية، وحق العودة إلى الوطن، وإنشاء جمهوريّة شركسيّة موحّدة.
لكن جهود موسكو لحمل “منظمتان دميتان” لتغيير شكلهما لن تفلح لما تريدها السلطات الروسية أن تكون. فمن ناحية، إنّ أية تغييرات ستكون لتسليط الضوء فقط على قوة الكونغرس الشّركسي. ومن ناحية أخرى، فإنّ مثل هذه التحركات الشفافة من المرجح أن تدفع الشباب للتّطرّف، وتحدث “وضعا مثل تلك الاوضاع الموجودة في أنغوشيا وداغستان”.
وفي المقال الثّاني يقدّم نارت ماتوكو وهو خرّيج كلّيّة العلوم السّياسيّة في جامعة الامم المتّحدة، تفاصيل إضافيّة حول السّبل الّتي يمكن من خلالها تحدّي الحرس القديم المسيطر عليه من قبل الحكومة في المؤتمر الثّامن للجمعيّة الشّركسيّة العالميّةالمنعقد بين 2-4 أكتوبر – تشرين الأوّل (www.elot.ru/main/index.php?option=com_content&task=view&id=1465&Itemid=1).
قبل ثلاثة أسابيع، اجتمع منتدى الشباب الشركسي لأنحاء روسيا في شيركيسك، وأعلن أنّه “لمن شديد الاسف [أسفهم]، فإنّه في غضون السنوات التسع الماضية، والعمل باتجاه حل المسائل الوطنيّة الأكثر أهمية، قد اتّبع بطريقة غير مرضية”.
وتابع، “إنّ التدخل من قبل الموظفين الاجتماعيّين والحكوميّين في عمل الجمعيّة قد جمّد كافّة العمليات التي بدأتها أفضل العقول للأمة في تسعينيّات القرن الماضي. نحن نعتبر أنّ الاصلاح الأساسي لهذه المنظمة مطلوبا، وتجديد تشكيل لجنتها التنفيذية يعدّ ضروريا”.
أضاف الشّباب الشّركس قولهم بأنّ مشاكل الجمعيّة الشّركسيّة العالميّة والأديغة خاسة كانت قد بدأت عندما سيطرت الهياكل الأمنية وكذلك القادة السياسيين المحليين على هذه المؤسسات “الرئيسية في المجتمع المدني في عام 2000″، وهو التطور الذي أدّى إلى “مغادرة عدد كبير من الشباب والإلتحاق في صفوف تشكيلات المجموعات غير القانونية”.
وحذّروا من انه اذا استمرّت هذه المنظّمات المسيطر عليها من قبل الحكومة كما فعلت في السنوات الأخيرة في سياسة “التّقاعس”، فإنّ ذلك سوف يؤدّي بلا شك إلى “المزيد من العواقب السّلبيّة”.
لسوء الحظ بالنسبة لهم وبالنسبة لمستقبل الاستقرار في الجزء الغربي من شمال القوقاز حيث يعيش الشركس،فإنّ هؤلاءالذين يسيطرون على الجمعيّة الشركسيّة العالميّة والاديغة خاسة يبدو أنهم قد قرّروا التّمترس، للحفاظ على سيطرتهم على هذه المنظمات حتى بدفع ثمن فقدان النفوذ في المجتمع، يجادل ماتوكو.
ان الحكومة الروسية في موسكو هي وراء هذا التّشدّد الّذي يبدو واضحا بأنّه سيكون في نهاية المطاف نهجا غير مجدي: وخريج العلوم السياسية يلاحظ أن “المفتش” الرئيسي يراقب ما يجري الآن كما اعتاد عمل ذلك على مدى السنوات التسع الماضية وهو متقاعد من مكتب الكي جي بي ويدعى أ. كودزوكوف.
هذه التطورات قد تبدو هامشية وغير هامّة لو لم تكن لأمرين. من ناحية، فإنّ موسكو تبذر بذور مشاكل المستقبل لنفسها حيث أنّ الأمور كانت هادئة نسبيّا. ومن ناحية أخرى، فإنّ الخمسة ملايين شركسي الّذين يعيشون في الخارج سوف يراقبوا ليروا ما إذا كان إعادة تنشيط الحركة الشركسية سوف يظهر في وطنهم.
ترجمة: أخبار شركيسيا