رسالة ماجستير في العلوم السياسية للسيد علي محمد كشت

caucasus

رسالة ماجستير  في العلوم السياسية للسيد علي محمد كشت بعنوان:

الصراع الداخلي في منطقة شمال القفقاس الشركسية

 دراسة وتحليل (1991-2007)

http://www.circassianews.com/ak/AK_Masters_Thesis.pdf

إضغط هنا لقراءة الرسالة

Share Button

إختفاء ثلاثة من سكّان جمهوريّة قباردينو – بلقاريا

إختفاء ثلاثة من سكّان جمهوريّة قباردينو – بلقاريا

20 أكتوبر – تشرين الأوّل 2009

ثلاثة من سكان جمهوريّة قباردينو-بلقاريا  – تيمور بيغيدوف، المولود في عام 1975 في قرية كنجي، وإبراهيم شوجينوف وأنزور ناغوييف من قرية دوغولوبغي، الذين غادروا في 2 أكتوبر – تشرين الأوّل إلى مدينة أوفا في شاحنة مبرّدة محمّلة بشحنة من الفواكه للبيع، قد اختفوا. ومراسل الموقع الإخباري (Caucasian Knot) علم عن ذلك في مركز حقوق الإنسان في قباردينو-بلقاريا، حيث وجّه والدا تيمور بيغيدوف نداءا للمساعدة.

وكما ذكر من قبل ناشطين في مجال حقوق الإنسان، فإنّ والدا كل من الأشخاص المذكورين أعلاه قدّموا طلباتهم الى رئيس الجمهورية، ورئيس ديوان المظالم المحلّيّة بوريس زوماكولوف ومكتب المدّعي العام في قباردينو-بلقاريا.

ووفقا لحفيظة بيغيدوفا، فإنّ الشاحنة، الّتي استقلّها إبنها ورفاقه، عثر عليها في 5 أكتوبر-تشرين الأوّل على بعد 70 كلم من مدينة أوفا. الشّحنة كانت في أمان تام، ولكن المقاعد والمقصورة الداخلية وجدت ممزّقة. هيئات تنفيذ القانون المحلي ومن خلال استخدام غواصين وطائرات هليكوبتر وكلاب بوليسيّة قامت بمسح الأراضي الواقعة ضمن دائرة نصف قطرها 50 كيلومترا من المكان، الّذي تم العثور فيه على الشّاحنة؛ لكن لم يعثر على جثث أو على أي آثار للجريمة.

في رأي الأقارب، فإنّ حقيقة أن الشّحنة في أمان يعني ذلك بأن الحادث لم يكن جنائيّا.

“إنّي أربط الأسباب، الّتي يمكن لابني أن يكون قد اختفى بسببها، في المقام الأول حقيقة انّه والشّابّين من دوغولوبغي هم من المسلمين، الذين يؤدّون كل شعائر الإسلام”، قالت حفيظة، والدة تيمور بيغيدوف.

وقالت ان الأسباب الّتي جعلت إبنها يختفي أوّلا لحقيقة أنّ إبنها لم يسبق له أن تلقّى أي دعوات للميليشيا في سياق آرائه الدينية، ولكن شاب آخر – تيمور شوجينوف – كان تحت المراقبة. ووفقا لقصتها، فإنّه كان إماما بصفة غير رسميّة للجالية المسلمة في دوغولوبغي.

نقل عن: (Caucasian Knot)

ترجمة: أخبار شركيسيا

Share Button

رسالة رئيس الجمعية الخيريّة الشركسيّة في الأردن إلى الرّئيس الرّوسي ميدفيدف

فخامة السيد ديمتري ميدفيدف الأفخم 
رئيس جمهوريّة روسيا الاتحاديّة
 
  تحيّة طيبة وبعد…
 
  ينظر الشراكسة في كلّ بقاع الأرض، والأحرار في كلّ مكان إلى دولة روسيا الاتحاديّة بأدوارها المتجدِّدة على ساحة الفعل الدولي، وريادتها المستحقّة على مشهد الحراك الكوني، نظرة تقدير واحترام وأمل، تقديرٍ واحترام لإدارتها الواثقة المنفتحة على الشعوب المظلومة والمقهورة تحت وطأة الاستبداد و ازدواجيّة المعايير. و أملٍ أن تكون روسيا بقوّتها قوّة لصوت العدالة، ونصرة لصوت المظلومين، ونداء الحقّ والضمير الإنسانيّ.
  
  يُحي الشراكسة في كلّ مكان في العالم ذكرى التهجير القسري، والإخراج القهري لأجدادنا من أرض الوطن، أرض القفقاس، هذه الأرض التي لم يعرف الشراكسة ومنذ فجر التاريخ وطناً أمّاً لهم غيرها، فهي أرضهم وهم شعبها، وسجل التاريخ الإنساني شاهد على هذه الحقيقة من سطره الأول مروراً بفصول التاريخ المتتابعة.
 
  فخامة الرئيس…
 
  نحن إذ نبعث لكم بكتابنا هذا، مبتدئين بتأكيد الحقيقة التاريخيّة السالفة، إنّما لنؤسس لفتح آفاق جديدة بين دولة روسيا الاتحاديّة وبين الشراكسة في كلّ مكان، في الوطن الأم وفي الشتات. فإنّ نظرتنا إلى روسيا كدولة رياديّة قياديّة حضاريّة، تقوم على الديمقراطيّة واحترام حقوق الإنسان، تدفعنا إلى التشديد على أنّ تجاوز الماضي ومآسيه لا يكون بالتجاهل والتناسي أو التحريف، بل يكون بمواجهتها والاعتراف بها، والعمل على معالجة آثارها؛ فروسيا اليوم -كما كانت دوماً- دولة عظمى، وعظمة الدول إنّما بأدوارها 
العظمى في إحقاق الحقّ، وإقامة العدل. فالمرتجى من دولة بمقام روسيا أن تكون قوّتها قوةً للعدل، وحراكها على الساحة الدوليّة حراكاً لنصرة المظلومين، وردّ الحقوق لأصحابها.
 
  و إيماناً منّا نحن في الجمعيّة الخيريّة الشركسيّة أنّ الحوار والتفاهم المتبادل هما السبيل الوحيد لتجاوز عثرات الماضي إنطلاقاً إلى مستقبل أكثر إشراقاً وعدلاً، فقد قامت الجمعيّة باستثمار كلّ السبل الدبلوماسيّة لإيصال صوت الشراكسة عامةً، وشراكسة الأردن خاصةً، معتمدين على العلاقات الوطيدة، والصداقة الوثيقة بين الأردن قيادة وشعباً و بين روسيا الاتحاديّة قيادة وشعوباً، هذه العلاقات التي نمثّل نحن شراكسة الأردن جزءاً أصيلاً منها، وكان مـمّا بذلنا وحاولنا:
 
* تسليم فخامة الرئيس فلاديمير بوتين رسالة في 11/3/2007 تتضمن طلباً عزيزاً وغالياً على قلوب شراكسة الأردن جميعاً بإعادة حقّ المواطنة والعودة إلى القفقاس الوطن الأم وأرض الأجداد الذي كفله القانون الصادر عن فخامته برقم 637 سنة 2006م. وقد جاء تسليم الرسالة في سياق الزيارة الرسميّة لفخامته للمملكة الأردنيّة الهاشميّة.
 
* وفي سياق الزيارة نفسها وقعت الجمعيّة الخيريّة الشركسيّة مذكرة تفاهم مع رئيس جمهوريّة كباردينا بلقاريا ورئيس جمهورية الأديغيه اللذين جاءا إلى الأردن برفقة فخامة الرئيس فلاديمير بوتين. وقد تضمنت مذكرة التفاهم مجموعة من القضايا والإجراءات التي من شأنها تسهيل إعادة الحقوق المشروعة لشراكسة الشتات والمهجر، إلا أنّ الأمر انتهى إلى خلاف ما كنّا نرجوه فلم نشهد تطوّراً ملموساً تجاه تلك المطالب، بل يمكن القول إنّها تراجعت.
 
* شاركت الجمعيّة الخيريّة الشركسيّة في اجتماعات مؤتمرات الشتات الروسي كلّها، مؤمنة أنّ هذه المؤتمرات سبيل للشراكسة لإيصال صوتهم إلى القيادة الروسيّة، ونحن اليوم في كتابنا هذا نؤكّد على ما كنّا نقوله في كلّ مؤتمر، وهذه ملامح للصوت الذي كنّا ولا زلنا نرفعه عالياً في كلّ محفل ومكان:
 
   – يسعى الشراكسة لتوضيح حقيقة حرب الإبادة الجماعيّة التي طالت الشعوب الشركسيّة في القفقاس، هذه الإبادة التي استمرّت عشرات السنين وحصدت أكثر من مليون شهيد في سبيل الوطن والكرامة.
 
  – يؤكد الشراكسة أنّ عملية تهجير الشراكسة عن وطنهم الأم القفقاس كانت أقسى عمليات التهجير التي شهدها العصر الحديث، ويكفي أن نعلم أنّها طالت قرابة المليون وأربعمئة ألف إنسان، عانوا فيها أشدّ المعاناة وأعظم الآلام.
 
  – ينبّه الشراكسة العالمَ أنّهم اقحموا في منافيهم في حروب ليس للشراكسة فيها أيّ مغنم ومكسب، بل هي مغارم وويلات أصابت آلاف منهم.
 
  – يلفت الشراكسة النظر إلى ما تعرضوا له في بعض البلدان التي هاجروا إليها من اضطهاد وتمييز عنصري، ومحاولة للقضاء على الهويّة والثقافة الشركسيّة.
 
  – يشير الشراكسة إلى عمليّة الإفناء والإبادة اللاحقة لانتهاء الحروب، فتعداد الشراكسة في القفقاس قبل الحرب والتهجير كان مقارباً لتعداد شعوب صارت اليوم تقارب السبعين مليوناً، بينما لا يتجاوز الشراكسة المقيمون في القفقاس اليوم المليون إنسان. فمن المسؤول عن هذا الإفناء والإعدام الجماعي؟ 
 
 فخامة الرئيس…
 
  يتطلّع الشراكسة في كلّ مكان إلى روسيا الاتحاديّة آملين منها أن تنهض للدور اللائق بدولة عظمى تقوم على المحبّة الإنسانيّة، والأخوة بين جميع الأديان والأعراق، فتسعى لإعادة الحقّ لأصحابه، والمحافظة على حقوق الشراكسة في وطنهم الأم؛ فالأوطان لا تُنسى ولو طال الزمان، والحقوق لا تسقط بالتقادم، ولا سبيل لآفاق السلام والمحبة والوئام الإنسانيّ إلا في ظلال العدل والكرامة الإنسانيّة.
 
  وفي الختام نؤكد حرصنا الدائم على خير يعم روسيا الاتحادية وشعوبها، ونحن إذ نتطلّع إلى أدوارٍ كبيرة من روسيا الكبيرة لنرجو لها دوماً أن تكون على قدر آمال الأحرار فيها: سنداً للعدالة، ونصيراً للحقّ والإنسانيّة.
 
والسلام على كلّ من كان لداعي الحقّ مجيباً.
 
                                                             رئيس الجمعية الخيريّة الشركسيّة
                                                                   رئيس مجلس الإدارة
                                                                       إسحق مولا
Share Button

مداد القلم: قيصر جديد وفساد قديم

قيصر جديد وفساد قديم

كيف انتقلت السلطة من يلتسين إلى بوتين

 

مع وفاة بوريس يلتسين كثر الحديث عن إنجازاته وتجاوزاته، وقليلا ما تناول الواقع القائم من بعده، في عهد خلفه فلاديمير بوتين، ناهيك عن الإشارة إلى أنّ وصول الأخير إلى السلطة، كان من “إنجازات.. أو أخطاء” يلتسين، والحصيلة هي ما شهدته الشاشان في الدرجة الأولى، علاوة التراجع الملحوظ فيما سبق الاعتقاد بتثبيته من حريات وحقوق عقب سقوط الشيوعية وانهيار معسكرها الشرقي. المقالة التالية واكبت انتقال السلطة في حينه (عام 2000م)، وفي مضمونها ما يعطي تفسيرا لكثير من السياسات الروسية في الوقت الحاضر (عام 2007م).

 

في الديمقراطيات الغربية ألوان من الفساد والانحرافات ومن العدوانية وانتهاك حقوق الإنسان، وكثيرا ما وصل ذلك إلى أعلى المستويات، وكثيرا ما أثار التساؤلات عن تفسير لأسلوب التعامل معه، كما لو كان من الأمور الاعتيادية في حياة الطبقة السياسية !. وما قضية كلينتون وانحرافاته الجنسية بغائبة عن الأذهان، ولا حكايات الساسة الإيطاليين مع الجريمة المنظّمة بمجهولة، ولا الفضائح التي طالت بعض الوزراء وكبار العاملين في أجهزة حكومية وأمنية في فرنسا وبلجيكا بأقلّ شأنا مما انكشف أمره من بعد من فضائح مالية على أعلى المستويات الحزبية في عهد هلموت كول بألمانيا، أمّا العدوانية وانتهاكات حقوق الإنسان فالنسبة الأعظم مما يًرتكب في البلدان الديمقراطية الغربية يصيب الإنسان في البلدان النامية، فلا يؤبه به كثيرا، ولا يجد طريقه إلى الكشف عبر وسائل الإعلام إلاّ قليلا، ناهيك عن المحاسبة والمقاضاة. بل على النقيض من ذلك إذا ارتكب مجرم من غير السياسيين والديبلوماسيين أيضا، جريمة ما في بلد من البلدان النامية، لا خلاف حول استحقاقها العقوبة، ولا حصانة تمنع العدالة من أن تأخذ مجراها بشأنها.. ولكن كان ضحيتها إنسان أو أكثر من أهل ذلك البلد المضيف، فليس مجهولا ما تبذله الدولة الأمّ لتخليص مواطنها المجرم من المحاكمة بأي ثمن، ولو كان فيه فساد علاقات ديبلوماسية وتجارية، وما قصص ممرّضة بريطانية في السعودية وخادمة فيليبينية في الإمارات وتاجر ألماني في إيران بمجهولة. ولا يعني هذا الحيفُ على حساب الدول النامية نجاةَ أهل الغرب أنفسهم من انتهاكات حقوق الإنسان، كما يشهد ما ينكشف من التعامل الأمريكيين البيض مع السود والملونين، وتجارة الرقيق الأبيض في كل مكان، ومصير الأطفال المعتدى عليهم بمختلف أشكال الاعتداء الوحشي.

 

هل لهذا علاقة بفلاديمير بوتين ووصوله إلى كرسي الرئاسة في الكريملين ؟..

إنّ ما ينكشف في الغرب من علاقة لبعض المسؤولين في قطاعات السياسة أو الاقتصاد أو رجال الأمن بتلك الألوان المتعدّدة من الفساد وسواها، إنّما ينكشف في فترة متأخرة، بعد أن يكون المسؤول قد استقرّ في منصبه، أو بعد نهاية فترة وجوده فيه، ثم قد يجد الملاحقة السياسية، كما كان مع نيكسون، وقد لا يجد ما يستحقّ من جزاء كما في حالة كلينتون، ولكنّ هذا ما يعود إلى فساد الأولويات بين المصالح المادية والأخلاقيات، وإلى فساد معايير القيم واضمحلالها، إنّما نادرا -وليس مستحيلا تماما- أن تنكشف فضائح من هذا القبيل أثناء معركة انتخابية، ثم ينجح المرشّح الغربي رغم ذلك في الوصول إلى منصب يتطلع إليه، وهذا ما يدفع في إطار الحديث عن بوتين إلى المقارنة والتساؤل عن المستوى الذي انحدر إليه واقع الاتحاد الروسي في هذه الأثناء، بعد أن سقطت الشيوعية المتفسخة وأقيمت أركان الديمقراطية الغربية مع مناهجها الاقتصادية وأخلاقياتها، فكأن الروس يريدون التفوّق على الغربيين في مساوئ مناهجهم قبل أن يرسّخوا ولو بعض ما يعوّض شيئا ما عن ذلك من محاسنها وميزاتها.

إنّ جميع ما ذكر ويذكر عن فلاديمير بوتين لترجيح احتمالات انتخابه رئيسا للاتحاد الروسي، وعن ظروف ارتفاع نجمه خلال فترة وجيزة، لا يندرج تحت عنوان تعداد المآثر والمحاسن والميزات، وإنّما يُفهم كشكل من اشكال التبجّح العلني بأسوأ ما يمكن تعداده من مواصفات لرئيس دولة، ناهيك أن تكون لرئيس دولة كبرى، أو هي راغبة في هذا الموقع على الأقلّ!..

لا يقتصر الأمر على أنّ مدخله إلى معترك المسرح السياسي الروسي كان عبر بوابة المخابرات، وهي بوابة مخزية، لا سيّما في الفترة التي كان محور نشاطات المخابرات السوفييتية فيها متركّزا على الروس أنفسهم وعلى شعوب الدول الشيوعية الصديقة لهم، ولا غرابة أن يكون في مقدّمة أعمال بوتين الرسمية بعد استلامه منصب الرئاسة بالوكالة، وقبل أن يزور جنوده الروس في جبهة القتال، زيارته لضريح الرئيس السوفييتي الأسبق آندروبوف، وهو الذي بقي في الحكم فترة وجيزة قبل جورباتشوف، ولكن يميزه أنّه كان أيضا رئيسا للمخابرات قبل استلام الرئاسة في الدولة الشيوعية المنهارة.

ومن بوابة المخابرات إلى بوابة الفساد فقد كان مدخل بوتين إلى مبنى الكريملين عن طريق تشوبايس، أوّل من سقط من منصبه -مؤقتا- من بين أركان “عائلة” يلتسين، بسبب الفساد، ليس لانكشاف أمره، ولكن لأنّ الفساد بلغ مدى يزكم الأنوف من جهة، وبسبب صراعات تدور بين أصحاب المليارات الجدد على مناصب توجيه الحكم في موسكو من جهة أخرى، وأحدهم تشوبايس نفسه. وكلمة “عائلة” لا تعني هنا صلة القرابة، وإن كان قد انكشف أمر استشراء الرشوة والفساد في أقرب أقرباء يلتسين كابنتيه وصهريه، ولكن تعني -على غرار ما تعرفه جزيرة صقلية تحت سيطرة عصابات الإجرام المنظمة / المافيا- وجود ظروف مماثلة في قمّة هرم السياسات السياسية والاقتصادية بموسكو.

بوتين فرد من أفراد “العائلة”.. ولهذا كان سهلا عليه أن يدفع ثمن وصوله إلى موضع الحظوة عند يلتسين، والاتفاق على استقالة الأخير في اللحظة المناسبة لوجوده هو في منصب رئاسة الوزراء، وبالتالي في موقع استلام الرئاسة بالوكالة وفق الدستور، وكان الثمن الظاهر للعيان، وقد يكون المخفي أعظم، أن يوقع بوتين أوّل مرسوم رئاسي يحمل اسمه في قمّة الكريملين، بما يعطي يلتسين وأقرباءه وافراد عائلة فساده المالي والسياسي “صك غفران” مدى الحياة، فلا يلاحقهم جهاز سياسي ولا قضائي، ولا يحاسَبون عما ارتكبوه وانكشف أمره أو ما ارتكبوه ولم ينكشف أمره بعد، رغم أنّ الوثائق عمّا انكشف من ذلك باتت مفتوحة منشورة، وأنّ الحسابات المالية وما دخل إليها من أموال بالملايين معروفة مكشوفة، وأنّ عمليات غسيل ما يسمى “الأموال القذرة” في جنيف وفي نيويورك قضايا ثبتت على أصحابها متلبسين، فلم يعد السؤال هل ارتكب هؤلاء الذين يمنحهم بوتين “الحصانة” أعمالا تثبت عليهم تهمة الفساد وسواها أم لا، وإنّما السؤال هو هل يلقون عقوبتهم أم لا، وصعد بوتين إلى قمّة السلطة في موسكو بتوقيعه على كلمة “لا” في هذه الحالة، مع أنه اشتهر اثناء وجوده في الكريملين بأنّه لم يكن يقول شيئا تجاه سيد الكريملين السابق سوى كلمة “نعم”!..

ويُعلّل صعود نجم بوتين السياسي شعبيا وفي أوساط العسكريين ولدى الأحزاب الحاكمة والمعارضة، بتحرّكه في حرب الشاشان بتصميم قاطع على المضي بالحرب إلى نهايتها بأي ثمن، وهنا أيضا لا يعني ذلك صعود نجمه بفضل بطولة عسكرية في معركة مشرّفة، أو ميؤوس منها ثمّ نجح هو في انتزاع النصر فيها، بل يصعد نجمه رغم افتقاد أيّ جانب مشرّف في المعركة نفسها وفي مجراها، وكان من المفروض وفق مقاييسهم العسكرية أن يتحقّق النصر العسكري الروسي خلال أيام فقط. إنّما كان صعود نجم بوتين لأنّه استطاع حتى الآن إخفاء العدد الحقيقي لقتلى الروس في الغزوة الجديدة لأرض الشاشان، ولكن سيّان هل كان العدد بالمئات أم الألوف أم تجاوز بضعة عشر ألفا كما كان في حرب الشاشان الأولى، يبقى من المخزيات المذهلة، أن يجد بوتين في حرب الشاشان التأييد من جانب المسؤولين الروس على اختلاف مواقعهم ومشاربهم واتجاهاتهم السياسية، فهذا لا يحسب له ولا لهم، وإنّما يؤكّد أنّ الأرضية التي تتحرك عليه السياسة الروسية باتت فاسدة حتى النخاع، لا تتورّع عن الجرائم الحربية بأبشع صورها، وأنها تسير حذو النعل بالنعل وراء ما سبق وسارت عليه السياسة الأمريكية أيام فييتنام (ومن قبل ومن بعد كما في أفغانستان العراق)، حيث بقي تأييد الحرب قائما إلى أن بدأ ينكشف حجم الخسارات البشرية الأمريكية، فبدأت فجأة “حملات الدفاع عن حقوق الإنسان الفييتنامي” كما قيل. هنا أيضا يصعد نجم بوتين سياسيا ما دام ضحايا حربه في الشاشان ليسوا من الروس “البشر”، بفضل أساليب القصف الإجرامي عن بعد، خوفا من التلاقي العسكري وجها لوجه مع المجاهدين المدافعين عن أصل وجود شعبهم وبلدهم.

ثمّ يقال بعد ذلك كلّه إنّ الساسة الغربيين، كما ورد على هامش قممهم ولقاءاتهم المتعددة، لا يريدون ممارسة ضغوط ما على بوتين بسبب حرب الشاشان، كيلا تضعف فرص نجاحه في انتخابات الرئاسة آنذاك، فليس من مصلحة الغرب أن يأتي على رأس السلطة في الكريملين سواه من الساسة الروس!.. وفي هذا الموقف الغربي كثير من الدلائل التي تنسجم مع حقيقة أن الفساد السياسي قد استشرى إلى أقصى حدوده.

إنّ الساسة الغربيين يقولون بذلك -ودون أن يطرف لهم جفن كما يقول المثل- إنّ مصالحهم أهم ممّا يزعمون باستمرار أنّهم يعطونه الأولوية على صعيد حقوق الإنسان، ويقولون واقعيا إنّ التعامل مع سياسي صعد على سلّم الفساد، وحصّن أركان الفساد، وارتكب الجرائم الحربية بأنواعها، وما زال يرتكبها، ولكن يخدم مصالحهم على وجه الاحتمال، أفضل عندهم من التعامل مع سياسي قد تتناقض سياسته مع مصالحهم!..

وليصدّق من شاء إذن أنّ النوايا الغربية بريئة، وأنّ شعاراتهم صادقة، عندما يتحدّثون عن ملاحقة مسؤولين آخرين في مواقع أخرى مثل صدام وميلوسوفيتش، بدعوى الدفاع عن الشعوب، وهذا علاوة على أنّ محاضن الفساد التي نشأ فيها أولئك جميعا وترعرعوا، إنّما هي محاضن غربية المنشأ والهوية والأسلوب والاتجاه، من البداية إلى النهاية.

إنّ وصول بوتين إلى منصب الرئاسة، وإنّ موقف الغرب ممّا يرتكبه في الشاشان ودعمه إياه في الوصول إلى منصب الرئاسة، إنّما يؤكّد في خاتمة المطاف، أنّ موسكو استكملت بذلك المشوار من الشيوعية المنهارة إلى الرأسمالية القائمة على هياكل ينخر فساد الذمم والضمائر فيها نخرا، وينكشف أمره بلدا بلدا وعاما بعد عام وحربا بعد حرب وميدانا بعد ميدان، فعاد بذلك الروس إلى الأرضيّة الغربية المشتركة، التي كانوا يتحرّكون عليها من عهد القياصرة إيفان وألكسندر وأقرانهما، من قبل عهد الشيوعية مع لينين وستالين وأقرانهما، فتابع المسيرة الآن يلتسين وبوتين وأقرانهما !.

نبيل شبيب

http://www.midadulqalam.info/midad/modules.php?name=News&file=article&sid=294

 

 

Share Button

عودة مجبولة بالمرارة… و إرادة و صمود مجبولين بالحديد

عودة مجبولة بالمرارة… و إرادة و صمود مجبولين بالحديد
من مراسلنا في الأديغي نارت أستيمر
الثلاثاء 29 تموز 2003
bresim_abhazya04
لطالما حلم رشاد بأرض أجداده، و كثيراً ما تساءل منذ نعومة أظفاره مثل الكثيرين من أبناء وطنه: من نحن؟ و ماذا تعني أديغه؟ و أين هو القفقاس؟ و لماذا نحن بعيدون عنه ؟! و كانت هذه الأسئلة تكبر في ذهنه يوما بعد يوم و تتأجج حماسة كلما سمع أغنية أو لحن رقصة من الفلكلور الأديغي أو سمع مثلاً أو قصة من الأديغة خابزة.
و تمر السنين و رشاد يتأرجح بين حلم و محبة يتأججان بين جنبات قلبه الطيب و بين متطلبات الحياة و واجباتها، ليحلم و يتعلم و يصبح بعد حين مصوراً تلفزيونياً في هيئة الإذاعة و التلفزيون في تلفزيون برشتينا في كوسوفو.
و في عام 1993 انتصر عشق الوطن في قلبه الطيب ليقرر هو و خمسة من رفاقه العودة إلى وطنهم الأم ليستقروا إلى الأبد في مايكوب عاصمة الأديغي الجميلة ليكون بذلك من أوائل الأديغيين العائدين من كوسوفو.
قبل حزم حقيبته المتواضعة بفترة طويلة و خلال استعداده للعودة سمع العديد من النصائح و التحليلات التي كانت كثيراً ما تستـفز أعصابه: ماذا لك هناك يا رشاد؟ … من سيقف معك هناك يا رشاد؟… إن العودة ضرب من الجنون… فكر يا رشاد و حكم عقلك يا بني… و غيرها الكثير الكثير
و لكن رشاد كان يدرك بوضوح رغم تألمه أن ذلك أمر طبيعي من أبناء شعب لاقى الويل و عانى الكثير قبل طرده من أرض أجداده و ما تلا ذلك من معاناة كانت أشنع عبر مسيرة الترحيل الطويلة جعلت أبنائه على ما يبدو يخافون تلك الأيام و ذكرياتها المرة و تركتهم يتمسكون بالاستقرار و لو تحت ظلال صبارة في بادية جرداء قاحلة. و رشاد أبازة كان يتساءل في قرارة نفسه: و لكن أيعقل أن نعتز بانتمائنا للأديغه و نحب عاداتنا و تقاليدنا و أرض أجدادنا و ألا نحلم بالعودة إليها، و لا نتمسك بحقنا في العيش فيها؟
و يمضي قدماً نحو القفقاس الغالي و الفرحة و السرور تملأن قلبه، غير مكترث بشيء سوى التوحد مع أبناء شعبه هناك و الانغماس عميقاً في بطون أرض الوطن الحبيب. و كان التوحد الأول بزواج موفق أسعد به الأهل و الأصدقاء و توّج بثلاث غرسات جميلات: شامل، ستناي، حاج مراد. و بقي رشاد دوماً متميزاً بطيبة القلب و بساطة التعامل و الانفتاح على المحيطين من حوله من أخوة له عائدين أو محليين بعيداً عن روح الفئوية و كل هاجسه التكاتف و التضامن مع الجميع.
لكن الحياة أبت إلا أن تشاكس هذا القلب الطيب لتؤكد من جديد حكمتها الأزلية أن “لا راحة لمؤمن إلا بلقاء وجه ربه”. فمنذ أيامه الأولى في مايكوب لم يوفق في عمل يؤمن له الراحة النفسية و البدنية، فرغم أنه صاحب شهادة في الإلكترونيات عمل بها سنين في تلفزيون برشتينا إلا أنه لم يوفق في تعديل شهادته بسبب الحواجز و الاشتراطات البيروقراطية ـ 1 ـ. و حتى يجابه متطلبات الحياة مارس العديد من الأعمال من الزراعة و أعمال البناء إلى الإلكترونيات، و لم يكن يأبى القيام بعمل شريف مهما كان شاقاً و تعيساً و غير مجزياً بالنسبة له في سبيل العيش بشرف و كرامة و الصمود و الاستقرار على أرض الوطن، غير آبه بوجود أو عدم وجود صندوق دعم العائدين ـ 2 ـ
و للأسف لم تخلُ حياته من منغصات من ألوان أخرى؛ فعندما اندلعت نيران الحرب الأهلية القذرة و أحاطت أهلنا في كوسوفو خسر والده الذي اغتيل في منزله، و ضاع أخوه ضياعاً بائساً في حيثيات و متاهات الفلتان الذي رافق هذه الحرب. و عندما لحقت به عائلته من هناك بعد تقديم الجهات الرسمية في جمهورية الأديغي و روسيا الاتحادية المساعدة و مساكن مجانية جديدة لكل عائلة عائدة من كوسوفو، في ظل هذا الموقف الرسمي المتميز يوم ذاك، حاول البعض التلاعب عبر متنفذين و كادوا أن يستولوا على الدور الخاص بأهله لاستلام البيت المخصص لهم في قرية مافه حبله. إلا أن جسارته و مساندة بعض العائدين له حالت دون ذلك.
و عندما وقع رشاد أبازة من السقالة الخشبية العالية و هو شاب لم يتجاوز الأربعين من عمره لم نحزن و نتألم لفقدانه فحسب، بل حزنا و تأسفنا أكثر لأنه مات و هو يزاول عمل لا علاقة له بالعمل الذي بذل العديد من سنين عمره في دراسته و إتقانه.
رحمك الله يا “أبا شامل” لقد اختزلت في حياتك القصيرة معاناة الكثيرين من العائدين من أمثالك، و أكدت لنا بروحك الطاهرة و صمودك المتواضع أنه إذا كان عشق الوطن جنون، فما أحلى الجنون، و أنه إذا كان لا بد من كسر الحجارة من أجل الصمود في أرض الوطن، فهيا بنا نُكسر ونأكل من هذه الحجارة. لقد ذكرتنا بحكمة أجدادنا و بأن خسارة أيام و سنين من الراحة و الهناء أهون ألف مرة من خسارة الوطن فكما قال أجدادنا:
من يخسر وطنه يخسر كل شيء.
(وكالة أنباء القفقاس)
Share Button