أهم تطور في شمال القوقاز في عام 2010: بدء الروس في الحديث عن مغادرته

أهم تطور في شمال القوقاز في عام 2010: بدء الروس في الحديث عن مغادرته

نشر موقع مؤسّسة جيمس تاون الألكتروني على موقعه بتاريخ 26 يناير/كانون الثّاني 2011 مقالا للكاتب والمحلل السياسي المعروف بول غوبل بعنوان “أهم تطور في شمال القوقاز في عام 2010: بدء الرّوس في الحديث عن مغادرته“، حيث جاء فيه:

تفجير 24  يناير/كانون الثّاني 2011 في مطار دوموديدوفو في موسكو.
تفجير 24 يناير/كانون الثّاني 2011 في مطار دوموديدوفو في موسكو.

إن أهم تطور بشأن شمال القوقاز في عام 2010 لم يحدث هناك، ولا حتى في شوارع موسكو. بل حدث بالأحرى في أذهان عدد متزايد من الروس الذين خلصوا إلى أن التكاليف — الاقتصادية والسياسية والإنسانيّة – للإبقاء على شمال القوقاز داخل حدود الفيدراليّة الروسية مرتفعة جدا وأنه نتيجة لذلك، يتعين على روسيا أن “تفصل” المنطقة عنها.

وعلى الرغم من أن الكرملين والحكومة الروسية على حد سواء يرفضون مثل هذه الأفكار حتى الآن، فقد اتخذت موسكو خطوات (بما في ذلك إنشاء منطقة شمال القوقاز الاتحادية، ووضع برامج استثمارية ضخمة وتصعيد الجهود العسكرية ضد المتشدّدين المناهضين لروسيا) كان لها تأثير تغذية هذا الاتجاه في الرأي العام الروسي، مما أدى أكثر من أي وقت مضى إلى أن الناس في البلاد قد استنتجوا بأن اللعبة في شمال القوقاز لا تستحق كل هذا العناء، وان الوقت قد حان لقبول ما ليس بكثير بدلا من مواصلة ضخ الأموال داخل الثقب الأسود.

اذا كان هناك استفتاءاً نزيهاً في الفيدراليّة الرّوسيّة (أمر مستحيل تماما في ظل حكم بوتين وميدفيديف) فإن العديد من الروس، على الرغم من أنّهم قد يكونوا أقل من النصف، سيصوتون لصالح السماح لجمهوريات شمال القوقاز بان تذهب في سبيلها. وبالنسبة لبعض المحللين، فإن هذا على الارجح كافياً للاستنتاج بأن القوى “المؤيدة للاستقلال” ضمن الأمة الرّوسيّة هم ببساطة ليسوا ذو أهمّيّة. لكن التاريخ الروسي القريب يشير إلى أنهم على خطأ، وأن هذا الاتجاه في الرأي العام الروسي أمر بالغ الأهمية.

هناك ثلاثة أسباب لذلك الاستنتاج. الأوّل والأكثر أهمّيّة، حيث أن كل الناس الكثيرون جدا في موسكو والغرب لا يذكرون، بأن الإتحاد السوفياتي مات ليس من أطرافه ولكن من الوسط، عندما قرّر الّذين هم من أصول روسيّة أنه لم يكن ليستحق القتال من أجل إبقاء الجمهوريات غير الروسية أو حتّى خلصوا إلى أن الروس كانوا ينفقون الكثير من ثرواتهم على تطوير الشعوب الّتي ما كانت متعاطفة معهم أبداً ولا من أنصار الإمبراطورية. وكان هذا الشعور أوسع بكثير من القصة المشهورة حول الإقتراح بجعل جمهوريّة روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية (RSFSR) تعلن استقلالها عن الاتحاد السوفياتي؛ لقد شملت هذا العدد الكبير من الروس بحيث أن زوال الاتحاد السوفياتي كان سلميّاً بشكل لافت، وهو شيئ ما كان ليكون هكذا لو لم يكن ذلك صحيحاً.

الثاني وتقريبا بنفس الأهمية، فقد ذكّرت الأزمة الاقتصادية الأخيرة في روسيا الجميع بتكاليف دعم المغامرات الإمبريالية. اذا لم يكن احد يهتم كثيرا بالإنفاق عندما يأخذ الدّخل بالإرتفاع، يتسائل الرّوس الآن أكثر من أي وقت مضى على أن هناك أوقات صعبة، فلماذا ينبغي عليهم أن يدفعوا للأكثر عنفا والجزء الإقل شكرا من سكان الفيدراليّة الرّوسيّة. في جميع شرائح وسائل الإعلام الروسية وخصوصا المدونات، يتساءل الناس، لماذا يجب أن يحصل الشيشان من موسكو على عشرة أو عشرين ضعفا من المال أكثر للفرد من الروس في إيفانوفو — وخاصة عندما يكون سكان ايفانوفو قد أرسلوا المزيد من الأموال إلى الخزينة المركزية، من حيث تأتي أموال الشيشان.
والثالث، إزدياد الاشتباكات بين ذوي العرقيّة الروسية  و”أناس من القوقاز” تدفع المزيد والمزيد من الروس الى التفكير في كيفية الحفاظ على السلام. بعض المتفائلين يعتقدون بأن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والإدارات الروحية للمسلمين يمكنهم بناء جسور جديدة، لكن البعض أقل تأكّداً. العنف يتصاعد، ليس فقط في موسكو ولكن في جميع أنحاء البلاد. وليس هناك اي مؤشّرٍ على أن روسيا ستكون قادرة على الاستغناء عن خدمات العمال المهاجرين في أي وقت قريب.

 

هذا هو سبب آخر لان استقلال شمال القوقاز يكسب التأييد بين الروس: موسكو قادرة على فرض قوانين على الناس الذين هم ليسوا من مواطني الفيدراليّة الرّوسيّة والتي تختلف تماما عن القوانين التي تحكم الناس في الوقت الراهن من شمال القوقاز، الذين يعتبرون مواطنون روس. وكانت السلطات الروسية قد حققت نجاحا باهرا في تنظيم تدفقات الهجرة من آسيا الوسطى وأذربيجان، لكنها فشلت تماما في حالة “الأشخاص من القومية القوقازية”، حيث كان شائعا بان الناس من القوقاز مقبولين شعبيا في الفيدرالية الروسية منذ أكتوبر/تشرين الأوّل 1993 على أقل تقدير.
وإذا كانت موسكو ستسمح لشمال القوقاز الذهاب في سبيله، فإنه لن يكون هناك سماح بظهور دول مستقلة حقاً. بل ستكون البلدان التي من شأنها أن تظهر على ارتباط وثيق إلى درجة أو حتى مسيطرا عليها من قبل روسيا، ولكن سيكون مسيطرا عليها بالطريقة التي تسيطر بها موسكو على الدول الأجنبية المجاورة لحدودها، وليس كمحاولة للسيطرة على الناس داخل تلك الحدود. وسيكون من دواعي سرور كثير من الروس أن يروا ذلك يتحقق، وعلى الأقل بعض المرشحين للمناصب الرسمية في انتخابات المواسم المقبلة وسيكون هناك احتمال لعمل ذلك.

 

ومن الواضح أن العديد من المسؤولين في موسكو سيعارضون ذلك، إما على أساس قناعات إمبرياليّة أو الإحساس بأن استقلال شمال القوقاز سيكون الأول من العديد من أحجار الدومينو التي من شأنها أن تؤدي إلى زوال الاتحاد الروسي. إن ذلك الخطر موجود، بطبيعة الحال، ولكن هناك خطران آخران تواجههما موسكو: إذا لم تمنح الاستقلال لهذه المناطق — حتى ضد الآراء التي أعرب عنها سكانها – فسوف تشهد روسيا المزيد من الاشتباكات العرقية. وإذا كانت لا تستغني عن هذه المناطق، ونوع القوة التي يحتاجون إليها، فإن موسكو لن تكون قادرة على التحديث وبمرور الوقت سوف تشهد المزيد من الهبوط والعودة للخلف.

كما وضعها في الأسبوع الماضي أحد المدونين الروس الذي يؤيد التخلص من شمال القوقاز، بأنّه يجب على موسكو أن تختار بين الإبقاء على القوقاز أو توفّر أجهزة كمبيوتر شخصيّة وهواتف ذكية روسيّة. إن مواطنين روسا يشعرون الآن بوضوح أكثر من أي وقت مضى أن هذه الأخيرة هي أكثر قيمه للحصول عليها، وهذا التغيير في الموقف خلال عام 2010 سيعمل على تحريك الأحداث في عام 2011، ومهما كانت تريد القوى الفاعلة الموجودة في الكرملين.

 

ترجمة: مجموعة العدالة لشمال القوقاز

نقل عن: مجموعة العدالة لشمال القوقاز

Share Button