نافذة على أوراسيا: في روسيا، أصبح الموت وسيلة للحياة
بول غوبل (Paul Goble)
ترجمة: عادل بشقوي
ستونتون، 3 نوفمبر/تشرين الثاني – يحتفل الكرملين بكل تنامي مؤقت في معدل المواليد الروسي، لكنه والكثيرين غيره يتجاهلون بالعادة جانب آخر مقلق للغاية من تدهور الوضع الديموغرافي في هذا البلد: إن ارتفاع معدلات الوفيات بشكل غير عادي بين البالغين وخاصة الذكور في سن العمل.
في الواقع، تلك المعدلات مرتفعة جدا – تأتي روسيا في المرتبة 175 بين دول العالم من حيث السّلامة البدنيّة وأسوأ من ذلك من حيث الأمراض الناجمة عن تعاطي الكحول – هذا ما قالته إحدى صحف موسكو في وقت مبكر من العام الحالي في مقال تمت إعادة نشره خلال الايام الماضية وهو أن الموت في روسيا أصبح اليوم “وسيلة للحياة”.
كتبت إليزافيتا أليكساندروفا – زورينا (Elizaveeta Aleksandrova-Zorina) إن “في روسيا كما في زمن الحرب، تغادر المنزل، ولا تعرف ما إذا كنت سوف تعود”. وأضافت، ما يقلق الغربيين هو السرطان والزهايمر، لكن “في روسيا، شباب إلى الأبد وسكارى إلى الأبد، ينتصر فقط شعار الهبيز (الخنافس): ‘عش سريعاً؛ ومُت شاباً’!” (mk.ru/specprojects/free-theme/article/2013/05/21/857373-smert-kak-obraz-zhizni.html).
ووراء مثل هذه الكلمات الجسورة تاتي الحوادث، أدوية مزيفة، وإسكان واهن، وطرق سيئة، وإدمان مخدرات، وتلوث مياه وهواء، وإدمان كحول، و”ضحايا قُطّاع الطرق الذين تخشاهم حتّى الشرطة وضحايا الشرطة الّذين من الصعب في بعض الأحيان تمييزهم عن قطاع الطرق”، كما ذكرت.
باختصار، روسيا ككل “ليست دولة بل هي تكية”، و”موسكو هي الشرق المتوحش حيث أنه من الخطورة بمكان الذهاب حولها دون مسدس وسكين”.
“السرطان في سن الثلاثين؟ نوبة قلبية في الأربعين؟ وهؤلاء الذين يعيشون في روسيا إلى سن الخمسين يكونوا قد أعطوا تصنيفاً، وبالنسبة للرجال، وبلوغ سن التقاعد فهو غير قابل للتحقق بشكل كبير ودونه ملكوت السموات. واتخذت وفيات الذكور أبعاد مأساة وطنية”، وتابعت، وان روسيا تتميز بالفرق الشاسع في متوسط العمر المتوقع بين الرجال والنساء في العالم.
إنه لمروع كما كان النظام السوفياتي. “في الاتحاد السوفياتي (USSR)، كان الناس عجلات مسنّنة للنظام تصل بعضها ببعض”. الآن “في روسيا المعاصرة، نحن تفاصيل زائدة عن الحاجة”، وهو فقط تغيير يجعل الوضع الديموغرافي أسوأ من ذلك: لماذا لا يجب أن يشرب الناس “عندما لا يكون هناك عمل، والمصانع مغلقة، والمزارع الجماعية منحلّة والأراضي المشتراة من قبل المسكوفيين” و التي يشتغل بها العمال الاجانب.
تحتفل السلطات الروسية بحقيقة أنه في السنوات القليلة الماضية قد توقف نقص السكان في روسيا، لكن هذا التغير الإيجابي هو “محصور على وجه التقريب نتيجة للمهاجرين الذين يغرقون البلاد” ولكنهم الذين يفعلون القليل في تبجيل هجرة السكان من جزء كبير من روسيا.
وتظهر الاحصاءات ان في روسيا، أن “حوادث السيارات تحمل في كل عام تعداد سكان مدينة صغيرة، تماما كما يموت العديد على يد جرائم القتل في مراييل بيضاء [الأطباء]، أكثر مرتين ممن يسقطون على أيدي المجرمين، وما يصل إلى 100000 في عداد المفقودين، وعلى مدى 20 عاما ما يقرب من مليون شخص قتلوا أنفسهم، وعدد الشباب الذين لقوا حتفهم من المخدرات هو فظيع حتى أن يذكر”.
مدون في إيكو موسكو (Ekho Moskvy) نشر منذ بضعة أيام هذه القائمة المروّعة: “على مدى العشرين عاماً الماضية أكثر من سبعة ملايين من الإثنيّة الروسيّة لقوا حتفهم في روسيا. الّذين يموتون الآن هم أكثر من الّذين يولدون. يموت في كل عام من الفودكا 70000 شخص، ويموت في كل عام 30000 نتيجةً لتعاطي جرعات زائدة من المخدرات … زائد 30000 يموتون على الطرقات” (echo.msk.ru/blog/nikolay_kofyrin/1189702-echo/).
وعلاوة على ذلك، تحتل روسيا المرتبة الأولى في عدد حالات الانتحار بين الأطفال والشباب، والمركز الأول في العالم من بين حالات الطلاق والأطفال المولودين خارج إطار الزوجيّة، واحتلت المركز الأول بالنسبة لعدد الأطفال الذين يتم التخلص منهم من قبل الوالدين” ويصبحوا أيتاماً حتى بالرغم من أن والديهم على قيد الحياة”.
هناك ثلاثة أسباب لماذا تحتاج هذه الأرقام إلى أن توضع في عين الاعتبار: أولا، إنها تلتهم أي مكاسب من سياسات الحكومة المؤيدة للإنجاب، وهي السياسات التي تعمل بشكل أقل بكثير مما تدّعي موسكو. كان هناك مواليد أكثر بسبب مجموعة أكبر من النساء في الأعمار المناسبة للإنجاب ولكن من المتوقع أن تنخفض تلك المجموعة في الحجم بسرعة في السنوات القادمة.
ثانياً، وفيات عالية جدا بين جميع السكان الروس وخاصة بين الرجال من ذوي الإثنيّة الروسيّة هو شيء لم تفعل السلطات إزاءه إلا القليل أو لا شيء يذكر للحد منه. إنه ليس فقط جعل أي تأثير في هذه الأرقام المأساوية صعباً ومكلفاً، ولكن الجهود الرامية لفعل ذلك يمكن أن تنتج رد فعل سياسي كما يبين تاريخ حملات مكافحة الكحول.
وثالثاً، هذا الواقع الديموغرافي المأساوي يساعد على نحو متزايد في تشكيل سياسة روسيا غاضبة ومروعة. إذا واجه الروس إختصاراً للحياة بسبب الحوادث، والمرض وما شابه ذلك، فهم معنيون بالتفكير في طرق قصيرة الأجل، وبالتالي يصبح من المرجح إلقاء اللوم على الغرباء بدلا من التركيز على أنفسهم أو على النخب الخاصة بهم.
المصدر: (http://windowoneurasia2.blogspot.com/2013/11/window-on-eurasia-in-russia-death-has.html)